Site icon IMLebanon

ماذا لو سُمّي نواف سلام رئيساً مكلّفاً؟

 

أمّا وقد انتهت الاستشارات النيابية الملزمة إلى تسمية رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي رئيساً مكلّفاً لتشكيل الحكومة العتيدة، في مهمّة متلازمة ومهمّته الحالية، فقد بات إلزامياً الانتقال إلى مرحلة التأليف، في انتظار الساعة صفر التي تلي انتهاء استشاراته غير الملزمة الثلثاء المقبل. وقياساً إلى حجم الأرقام التي أنتجها خميس الاستشارات، طُرح السؤال افتراضاً، لو سُمّي نواف سلام، فما يمكن ان تكون عليه الخيارات المقبلة؟

 

قبل ان تغرق البلاد ابتداء من صباح الاربعاء المقبل في دوامة الشروط والشروط المضادة التي ينتظرها الرئيس المكلّف، والمنغمسون معه في عملية التأليف، لا بدّ من استعراض بعض الخيارات البديلة التي كان يمكن ان تعيشها البلاد، لو انتهت الاستشارات النيابية التي أجراها رئيس الجمهورية إلى تسمية السفير السابق القاضي نواف سلام، تلبية لرغبة لبنانية جامحة بالتغيير المطلوب، ولو بخطوة واحدة في إحدى المؤسسات الدستورية الثلاث، بعد ان فشل من انتُخب لهذه الغاية، وتحت هذا العنوان، بالفوز في أي من الاستحقاقات الدستورية الأساسية التي عبرت حتى اليوم منذ الانتخابات النيابية الاخيرة في 15 ايار الماضي.

 

قبل الدخول في ما يمكن ان تؤدي إليه مثل هذه المحطة، التي تبخّرت كما سابقاتها وتركت ما تركته من حال الخيبة في أوساط عدة سياسية وشعبية وحزبية، ما زالت تؤمن بأنّ ثورة 17 تشرين كانت محطة بارزة في تاريخ لبنان الحديث، وكان يمكن ان تستمر بزخم أكبر لولا الفشل في ترجمة ما وفّرته من حاضنة شعبية لمجموعة من النواب، رفعوا شعاراتهم ترجمة لرغبتهم بالإصلاح والتغيير، الذي لم يتوافر بعد، على الرغم من الوعود التي قُطعت من أجل ذلك، قبل ان تولد هذه الثورة التي جمعت مئات الآلاف من اللبنانيين من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن عمق بيروت الى أعماق البقاع، فتوحّدوا للمرة الأولى تحت وقع مسلسل الأزمات المالية، النقدية والاجتماعية وما تناسل منها، لتطاول مختلف وجوه حياة اللبنانيين.

 

وإلى هذا الشعور بالإحباط الذي بدأ يتنامى على وقع الفشل المتمادي في تحقيق أي من أحلام جمهور الثورة، طُرحت مجموعة من الاسئلة حول البدائل التي كان يمكن ان يعيشها اللبنانيون، لو نجح الساعون الى التغيير والتجديد من تحقيق ما كان ممكناً في آخر المواجهات الدستورية المفتوحة مع المنظومة الحاكمة التي أثبتت نجاحها في حماية أطرافها، حتى ممن كانوا في أدنى درجات الضعف التي عاشتها. وهو أمر تحقق، ليس بتضامنها وقوتها فحسب، بل بسبب هزال الفريق المناهض وضعفه وتشتته وانقساماته التي لا حدود لها. وهو ما دفع إلى الاعتراف بأنّ هذه الثورة أو الانتفاضة، باتت على مسافة قريبة من إعلان براءتها من دم ما أنتجته صناديق الاقتراع التي فُتحت في مختلف أصقاع العالم قبل ان تُفتح في بيروت، وقدّمت انتصاراً مقبولاً لتكوين كتلة تغييرية يمكنها ان تقوم بعمل جبار بالتعاون والتنسيق مع القوى التي هيأت نفسها للمواجهة إلى جانبها في معظم الدوائر الانتخابية التي شهدت انتخابات فعلية ادّت إلى بروز مؤشرات يمكن ان تؤسس خلال الولاية الحالية للمجلس النيابي، لأخرى يمكن ان تكون أكبر حجماً وتأثيراً في مرحلة لاحقة.

 

وعلى هذه الأسس، توقف المراقبون أمام الفصل الأخير من المواجهة التي شهدتها الاستشارات النيابية الملزمة بين أهل المنظومة السابقة والقوى التي حملت لواء المعارضة والتغيير من أجل مستقبل جديد. وسألت لماذا لم تنتج هذه المحطة رئيساً جديداً يُكلّف بمهمة تأليف الحكومة. فليس ضرورياً ان يكون السفير نواف سلام؟ اما وقد حضر في صندوق الاستشارات المفتوحة في قصر بعبدا عنواناً للمواجهة المنتظرة، طُرح السؤال عن الاحتمالات التي كان يمكن ان تنتقل اليها البلاد لو سُمّي رئيساً مكلّفاً هذه المهمة، بعد سلسلة التجارب السابقة التي بقي فيها بعيداً من ساحة المواجهة المباشرة مع ميقاتي وقبله مع كل من السفير مصطفى اديب والرئيس سعد الحريري، قبل ان يعتذر عن إتمام المهمّة التي كُلّف بها وآلت إلى ميقاتي نفسه نهاية صيف العام الماضي؟

 

استندت الطروحات التي تحاكي شكل الخيارات المقبلة ومضمونها على إحصاء بسيط كان يمكن ان يؤدي إلى تسمية سلام، فلا يبقى «مشروعاً» او «مادة مفقودة» لمواجهة بلا عنوان او مادة أساسية يمكن الاستناد اليها، كما اعتقد البعض عند الاعتذار المسبق من عدم تسميته، بحجة فقدان المشروع والمعرفة الشخصية، بما يمكن ان يعد به. فلو اتّحدت قوى المعارضة والتغيير على تسميته وعدم تشتيت أصواتها قياساً على رغبات البعض منهم، وما أملته الأهواء المخفية والرغبة في استنساخ المناكفات السياسية ولو من ضمن البيت الواحد، ولو على حساب الثوابت والعناوين السياسية والسيادية التي سبق ان تغنّوا بها حتى الثمالة. عدا عن الرغبة في احتكار الصفات الحميدة والرغبة بإبراز «الأنا»، كما عبّر عنها البعض بصراحة فاقعة، سواء بعدم التسمية او بتشتيت الأصوات ولو كانت قليلة، بدل ان تكون قد صبّت لسلام.

 

وبلغة الارقام التي لا نقاش فيها، كان يكفي ان يُشطب 16 صوتاً كانت لكتلة «لبنان القوي» من لائحة الذين أصرّوا على عدم تسمية أحد من اصل 46 صوتاً اتخذوا الموقف عينه، ليُضاف ما تبقّى منهم وهم 30 نائباً، إلى الاصوات الـ 25 التي نالها سلام، لحظي بـ 55 صوتاً كانت كفيلة بتقدّمه ولو بصوت واحد على تلك التي أبقت ميقاتي في السرايا رئيساً مكلّفاً تشكيل الحكومة العتيدة، إلى جانب مهمّته الحالية رئيساً لحكومة تصريف الاعمال.

 

ولا يكتفي أصحاب النظرية هذه بعملية الطرح والجمع لأرقام الاستشارات، فيزيدون انّ الأجواء السلبية التي سبقت عملية الاستشارات ساهمت في نقل اصوات اضافية إلى الضفة الاخرى الرافضة وصول سلام او ما يشبهه، ونتيجة فشل مساعي التفاهم على خوض المواجهة بشخصه ضدّ المنظومة التي أعادت ترويكا الحكم كاملة إلى حيث كانت قبل 15 ايار الماضي، معززة ومكرّمة ووفق الأصول والمحطات التي لا تشوبها شائبة دستورية او قانونية، نظامية او سياسية.

 

وعليه، يقلّل أصحاب النظرية الاخرى من أهمية هذه القراءة ويؤكّدون انّ وصول سلام كان سيفجّر أزمة تقرّب لبنان من التجربة العراقية، نتيجة ردة الفعل المحتملة لـ»حزب الله» إن لجأ إلى «القمصان السود». وإن استُبعد هذا الخيار الأمني، فانّ هناك من يعتقد انّ رئيس الجمهورية سيتكفّل بالتعاطي معه دستورياً، بعد رفض سلسلة تشكيلاته الحكومية، مهما حملته من اسماء، إلى ان يعتذر في خطوة شبيهة باستقالة الكتلة الصدرية من المجلس النيابي العراقي، على الرغم من بعض الفوارق في الشكل والمضمون والمهلة الفاصلة عن نهاية الولاية الرئاسية.

 

وختاماً، وما بين هاتين النظريتين، تتعدّد الأسئلة لتبرير خطوات من لجأ الى عدم التسمية. فهل كانوا يقدّرون ردّات الفعل هذه وأرادوا تعطيلها؟ أم أنّهم منخرطون في اللعبة نفسها بشكل من الأشكال، فوفّروا الخدمة الكبرى للمنظومة، اما لقاء خدمات سابقة ما زالت مطمورة في صناديق الاقتراع، او لقاء ما يمكن ان تنتجه العملية السياسية على المديين القريب والبعيد.. فلننتظر!.