IMLebanon

الرئيس المكلّف أمسى أسير هفوته

 

 

لبنان في مرحلة دقيقة قد لا ترحم الفاشلين

 

 

 

لم يَبدُ الرئيس المكلّف نواف سلام في إطلالته من القصر الجمهوري قبل يومين مُقنعاً. إذ خلت تصريحاته من موقفٍ واضحٍ وصريحٍ يلاقي به تطلّعات أغلب اللبنانيين، ويؤكّد رفضه “وهب” حقيبة المال لثنائي “حزب اللّه” و “حركة أمل”.

 

 

على الرغم من أن أغلب اللبنانيين اعتبروا كلامه نفياً محسوماً، إلّا أنّ سلام آثر جعل خطابه في بعبدا “حمّالَ أوجه”، فأكّد فيه، ومن خلاله، أنّ وزارة المال “ليست حكراً على طائفة أو ممنوعة عنها”. ما أوحى، لمن يجيد القراءة جيداً بين السطور، بأنّ القاضي الدولي لا يمانع، وفي الوقت نفسه، لا يرفض منح الثنائي المذكور تلك الحقيبة الجدلية، ما أوحى بأنّ سلام أمسى أسيراً لهفوة تعهّد قطعه على الثنائي وعلق.

 

 

هذا الموقف تمظهر بطريقتين:

 

– الأولى، عبر الانطباعات التي خرج بها كلّ من التقوا سلام في الأيام القليلة الماضية، إذ شعر هؤلاء بأنّ الرئيس المكلّف يستعجل التأليف “ولو بأي ثمن”، وذلك خوفاً من الفشل في التأليف على طريقة الرئيس المكلّف الأسبق مصطفى أديب، ولعلّ هذا الأمر ما يدفعه صوب محاولة استرضاء ثنائي “حزب الله” و “حركة أمل” باكراً.

 

 

 

– الثانية، من خلال المعلومات المتناقلة في الصحف الصادرة أمس، وتحديداً في ثنايا ما قاله الرئيس نبيه برّي في الإعلام وما كتبه كلّ من يدور في فلك سلام: فبينما عاد رئيس المجلس للحديث عن “مداولات الطائف” مستحضراً “الشهود الأموات” ومحاضر اتفاق الطائف الخفية التي لم يرها أحد منذ 36 سنة إلى اليوم، ندّد الكتّاب المقربون من الرئيس سلام بمحاولات عزل الطائفة الشيعية… بينما المطروح محلياً وخارجياً لا هذا ولا ذاك.

 

 

في المبدأ، ثمة فرق كبير بين “منح الشيعة” حقيبة المالية وبين “منح الثنائي الشيعي” حقيبة المالية. إذ إنّ الحالة الأولى، تمسّ الدستور من خلال تخصيص طائفة بحقيبة دون الطوائف الأخرى، خصوصاً في هذا التوقيت الدقيق الذي يفترض أنّه استطاع مع وصول جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية على أنقاض حربٍ مدمّرة لقدرات “حزب اللّه” العسكرية، إلغاء مفاعيل “اتفاق الدوحة” وأكسسواراته كلّها، وبما فيها “الثلث المعطل”، وبدعة حصر حقيبة المال بالشيعة.

 

 

أمّا في الحالة الثانية (منح المالية للثنائي)، فإنّ الإصلاح وسُمعة العهد سيكونان على المحكّ، إذ فرص نجاح لبنان في الحصول على مساعدات من المجتمع الدولي من أجل إعادة الإعمار سيتهدّدها الفشل في حال الإصرار على منح وزارة المالية للفريق السياسي نفسه الذي لم يظهر أي بارقة تغيير.

 

 

 

على مدى السنوات العشر الفائتة، لم تُقدّم “حركة أمل” في ثلاث حكومات متعاقبة، أي مرشح لتلك الحقيبة استطاع أن يغيّر الواقع المالي في البلاد، أو تمكّن من إحداث فرقٍ في الأداء. بل على العكس، ففي عهد الوزير “الحركيّ” علي حسن خليل وَقَعَ الانهيار المالي. وفي خضم الأزمة لم يستطع الوزير غازي وزني إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإنما كان شريكاً في قرار تعثّر لبنان عن دفع سندات اليوروبوندز، وكذلك في منع إقرار قوانين مثل “الكابيتال كونترول” وهيكلة المصارف… وغيرها من القوانين الإصلاحية. أمّا حقبة الوزير الحالي يوسف الخليل، فهي الأخرى لم تحمل أيّ مؤشرات لسياسات مالية ونقدية مشجعة، لدرجة أنّ الرئيس برّي نفسه لم يكن راضياً عن أداء خليل، وحاول قمعه ومنعه من الكلام في أكثر من محطة ومناسبة

 

 

 

كلّ هذا يؤكد أنّ عقدة وزارة المال لم تُحلّ، وأنّ الرئيس المكلّف أخطأ في إدارة المفاوضات مع الثنائي، حيث بدأها من آخرها. بل حاول صرف رصيدٍ لا يملكه. ولم يستطع نواف سلام حتى اللحظة استدراك “هفوة” الاتفاق مع الثنائي على تسمية الوزير الأسبق ياسين جابر، برغم نفيه هذا الأمر على أبواب بعبدا مواربة. إذ يبدو أن الرجل بات أسير تعهّد قطعه ويعجز عن التملّص منه.

 

 

لكن بمعزل عن هذا كلّه، لا ضيم من تذكير الرئيس المكلّف بأنّه “رئيس مهمة”، فرضته ظروف محدّدة بتقاطعات خارجية من أجل إتمام ما عجز عنه، في مجال الإصلاح، الكثير من رؤساء الحكومات من قبله. وأنّه كذلك مُسمّى من كتلٍ نيابية لا يملك فيها نائباً واحداً، بينما لبنان في مرحلة دقيقة قد لا ترحم الفاشلين.