حوار الضرورة بين تيار المستقبل وحزب الله الذي انطلق أمس بعد اتصالات مكثفة، شارك في جانب منها جهات إقليمية كإيران والمملكة العربية السعودية، وحظيت «برضى» دولي تقوده فرنسا، يشكل بصرف النظر عن النتائج المرتقبة منه نقطة تحوّل مهمة على الساحة الداخلية ويمهّد لإعادة التواصل المنقطع بين فريقين يتنازعان على السلطة منذ ما بعد موجة الاغتيالات التي طاولت قيادات الرابع عشر من آذار بدءاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأحدثت إنقلاباً كبيراً كان أبرزه خروج القوات السورية من لبنان بعد سيطرة تامة دامت أكثر من عشرين سنة، ويساهم بشكل مباشر في تنفيس الاحتقان السنّي – الشيعي ويُبعد شبح الحرب المذهبية التي تهبّ من هذا الاحتقان، غير أن هذا الحوار يبقى دون الوصول الى حل شامل للأزمة اللبنانية، يُنهي الصراع القائم، ويُعيد الجميع الى أحضان الدولة، والأسباب التي تحول دون تحقيق هذا الهدف كثيرة لا تبدأ بالخلاف العميق على مفهوم الدولة والسلاح ولا تنتهي بخروج حزب الله عن إرادة الدولة الحصرية والذهاب الى سوريا للقتال الى جانب نظام يدمّر بلده حجراً حجراً وبشراً من أجل البقاء في السلطة والتسلّط.
وتيار المستقبل الذي أخذ المبادرة في الدعوة الى هذا الحوار بدءاً بحزب الله يُدرك أن خلافه معه عميق ومن الصعب الوصول في أي حوار الى إزالة هذا الخلاف ما دام الحزب يتمسك بسلاحه ويرفض الانضمام الى مشروع الدولة الذي يتمسك به التيار كما يرفض الالتزام بوحدة هذه الدولة وإرادتها على جميع رعاياها. وإذا كان التيار هو صاحب المبادرة الى الحوار مع حزب الله فهو يدرك في المقابل أن هذا الحوار سيبقى محكوماً بحدود طموحات الحزب ودوره في المنطقة كما عبّر عنه رئيس مجلس الشورى الإيراني لاريجاني وهو أنه أصبح أقوى من بعض الدول وهو يقصد أنه أصبح أقوى من الدولة اللبنانية نفسها، فهل ينتظر من هذا الحوار إقناع الحزب بأنه ليس أقوى من الدولة اللبنانية، وأنه أصبح جزءاً أساسياً من المعادلة الإقليمية وربما من المعادلة الدولية في المنطقة، وما دام الحزب لا يعترف بذلك فهذا لا جدوى من الحوار معه سوى تنفيس الاحتقان الشعبي بين السنّة والشيعة والتي لامست الانفجار وفق ما عبّر عنه المسؤول الإيراني الذي حرص على زيارة لبنان قبل ساعات قليلة من بدء الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، ليعطي انطباعاً بأن إيران لا تزال لاعباً أساسياً في المنطقة، ولا يوجد أية إمكانية لأي فريق أو جهة لتجاوزها.
بالنتيجة الحوار بدأ وترك حالة استرخاء داخلي والجميع يعوّل على أن ينتهي الى ولادة لبنان جديد مع بدء العام الجديد.