نسائم طريّة تلوح في أفق الأزمة اللبنانية، على حين غرّة، وبين الفينة والأخرى، تخفف من وطأة القلق العام، وتطمئن اللبنانيين الى أن الدنيا ما زالت بألف خير.
عيّنتان لفتتا الاهتمام هذا الأسبوع: انعقاد جلسة الحوار الثالثة عشرة بين تيار المستقبل وحزب الله في عين التينة، وفي جو هادئ، بل مفعم بالهدوء، وبما لا يشبه الجو الذي كان سائداً خارج قاعة الاجتماع في عين التينة، حتى ان بعضهم لم يصدّق بأن الجلسة منعقدة قبل رؤية الطرفين على شاشات التلفزة، لقد عقدت بفعل فاعل وقدرة قادر، وصحيح ان الديسك الذي أربك معظم الجالسين على الطاولة المجلسية، سرق الكثير من وقت الحاضرين، إلاّ انهم وجدوا الهامش الواسع للتباحث بجدول الأعمال وخصوصا رئاسة الجمهورية وكأن الدار لم يدخلها شرّ.
العيّنة الثانية، متصلة بالأولى، وربما انها ولدت من رحمها، وتتمثل بالتوافق على اعتبار شهر رمضان عطلة سياسية رسمية للحكومة، تحت عنوان استكمال الاستشارات والمشاورات من أجل استئناف اجتماعات مجلس الوزراء، بجدول أعمال متحرر من البنود الضاغطة. واللافت هنا أن اقتراح الرمضنة طرحه الوزير محمد فنيش على الرئيس سلام، والأخير عرضه على الوزير نهاد المشنوق ليطرحه بدوره على تيار المستقبل، والمستقبل وافق، وهكذا تحوّل رمضان من حالة اسلامية الى حالة وطنية تمتد مفاعيلها من خلال مجلس الوزراء، الى مختلف المكونات اللبنانية، بمعزل عن الدين أو المذهب.
من هنا أيضا، اعتقاد بعض الوسطيين ان ثمة قراراً كبيراً فرض العودة الى حوار الضرورة بين التيار والحزب، وألزمهما باعتماد تعليق اجتماعات مجلس الوزراء، تداركاً من حزب الله لشر مرتقب، وتفهماً من تيار المستقبل لمعطيات وزير الحزب، المتصلة بموقف وزراء العماد عون، المتمسكين بتعيين قائد للجيش، قبل نهاية خدمة العماد جان قهوجي، ومن دون انتظار انتخاب رئيس للجمهورية، على اعتبار ان العماد عون الذي يطرح هذا الأمر يعتبر نفسه الأقوى بين المسيحيين المدرجة اسماؤهم على اللائحة الرئاسية، ولذلك من حقّه السياسي التصرّف كرئيس عتيد.
هذا البعض يقرأ حالة التريث المستمر في صفحة جنيف اليمنية وزيارة الأمير محمد بن سلمان الى موسكو، ووجود عبد اللهيان في مكة، بصرف النظر عن العناوين المعلنة لهذه التطورات، ويضيف الى هذه الملامح المهدئة للأوضاع اللبنانية تزايد الكلام الروسي عن سقوط ورقة الأسد والاهتمام المصري بضرورة استعجال انتخاب رئيس للبنان، مقروناً بالحفاوة البالغة بالرئيس تمام سلام وقبله الرئيس سعد الحريري، ولا يجب ان نهمل التحركات الأممية على خط الرياض – طهران، ضمن اطار السعي لاخراج لبنان من دوامة الشغور الرئاسي.
بعض أعضاء اللقاء التشاوري تحفظوا على رمضنة الحكومة، من زاوية رفض التهرّب من المواجهة مع العماد ميشال عون، وفي رأي هؤلاء ان حزب الله لا يريد اقناع العماد عون بسحبه عصا قيادة الجيش من عجلات عربة مجلس الوزراء، ولا يستطيع، في حال أصر اقدام وزراء عون على طرح الموضوع في مجلس الوزراء، إلاّ أن يقف وزراؤه في صف الحليف، وفي هذه الحالة ينكشف موقفه أمام قيادة الجيش وأمام القوى التي تتمسك بشعرة معاوية مع الحزب، لذلك طرح فكرة الرمضنة بمدلولها السياسي، لا الديني بالطبع، واعداً بأن لا يحمل السلّم بالعرض اذا ما مضى رمضان ولم يقتنع العماد عون، بالتخلي عما هو مصرّ عليه الآن، بمعنى أن يكتفي بالتضامن الصامت معه، ومن دون الاعتراض على انعقاد مجلس الوزراء بغياب المكوّن العوني، أو حتى بغياب وزراء الحزب حيث تكون على نفسها جنت براقش.
ولكن ماذا لو قرر العماد عون الاستعانة بأقدام جمهوره؟ هل يقف حزب الله متفرجاً، ام يقدم له الغطاء الجماهيري كالعادة؟
هناك أكثر من قول على هذا الصعيد، فوزير الداخلية نهاد المشنوق اعتبر أمس ان اللجوء الى الشارع لا يسمّن ولا يغني من جوع، وما من شارع يستطيع الوصول الى مجلس الوزراء او الى قرار مجلس الوزراء… فيما يرى الوزير عبد المطلب الحناوي، ان النزول الى الشارع يقابله نزول الى الشارع الآخر، مذكراً بالحشود المتقابلة لفريق ٨ آذار في ساحة رياض الصلح، ولفريق ١٤ آذار في ساحة الشهداء.
ورداً على التلويح بالصعود الى قصر بعبدا، استبعد مصدر عسكري اي تفكير جدي بهذا الأمر ليؤكد بأن مقر رئاسة الجمهورية خط أحمر..
العماد عون يقول لموقع تيار انتشار نريد المسيحي الأقوى للرئاسة، لأننا نرفض خيالات في الرئاسة… وهذا كلام منطقي الى حدّ بعيد، لكن مصدراً في ١٤ آذار اجاب بمثل ليس مجافياً للمنطق ايضاً، وخلاصته: لا تعطي انساناً مطرقة، إذا لم يكن يفكر مرتين، قبل استعمالها…
وهنا بيت القصيد…