IMLebanon

«حوار الضرورة» لـ«رئيس الضرورة»!

هو «حوار الضرورة» كما سمّاه رئيس مجلس النواب نبيه بري ينطلق في زمن يحتاج فيه البلد الى «ضرورات كثيرة» في التشريع النيابي المعطل، وفي العمل الحكومي الذي راوح بين التعطيل والتعثر والسبب في هذا وذاك الشغور الرئاسي الذي طال ويطول.

لا أحدَ يتوقع، في فريقَي 8 و14 آذار وما بينهما من وسطيّين ومستقلين، وحتى على مستوى الرأي العام أنّ «ربيع» الحوار بين قادة الكتل النيابية سيُزهر حلولاً في هذه المرحلة، ولكن المهم أن يستمرّ هذا الحوار الى أن تحين اللحظة الداخلية والإقليمية والدولية التي تساعد على إنتاج الحلول.

وأدلى المتحاورون كلٌّ بدلوه في جلستهم الاولى فبدا البَوْن شاسعاً بين أولويات كلّ منهم، 8 آذار وحلفاؤها أولويتهم قانون الانتخاب فإنتخاب مجلس نيابي جديد ينتخب رئيس الجمهورية العتيد. وفي المقابل 14 آذار وحلفاؤها أولويتهم انتخاب رئيس الجمهورية فحكومة جديدة تجري انتخاب مجلس نيابي جديد.

هاتان الأولويّتان المتباعدتان لا يمكن أن يجمع بينهما قاسمٌ مشترَك اذا لم تحصل تنازلات متبادلة، فعلى جبهة الاستحقاق الرئاسي هناك اقتناعٌ بإستحالة توصّل الفريقين الآذاريَين الى اتفاق على رئيس توافقي، في ظلّ تمسّك كلٍّ مِن رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بترشيحَيهما المعلنَين،

وبينهما ثمّة مرشّحون يُسمَّون «أقوياء» يتحركون آملين أن تتّسع حلبة السباق الرئاسي لهم أيضاً، فمثلما هناك مرشحون أقوياء يعتقدون أنهم يمكن أن يكونوا بدائل لعون إذا عزف عن ترشيحه، هناك آخرون ايضاً يعتقدون أنهم يمكن أن يكونوا بدائل لجعجع، ولكنّ الانطباع السائد هو أنّ البديل لكلٍّ من عون وجعجع لا يمكن أن يكون إلّا «شخصية توافيقة» يقبل بها الجميع، أو قادرة على جذب الجميع اليها فيكون «خيار الضرورة» الرئاسي للخروج من الشغور وإعادة الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية التي يكاد التعطيل يُطبق عليها.

وتحت جنح الحوار الذي لن ينتج سريعاً على مستوى الاستحقاق الرئاسي، يتوقع كثيرون أن يدورَ همسٌ كثير في أسماء عدّة تشكل «خياراتِ الضرورة» الرئاسية المطلوبة، وربما يوازيها في الوقت نفسه همسٌ في «خياراتِ ضرورة» قد تستدعيها رئاسة الحكومة الأولى في العهد الرئاسي المقبل، وبين الطامحين للرئاسة الثانية مَن يسعى سراً الآن الى دعم أو تسويق هذا المرشح الرئاسي أو ذاك ويعقد معه صفقة تحمله الى رئاسة حكومة عهده في حال فوزه بالرئاسة.

ويقول سياسيون إنّ عون ليس في وارد الانسحاب من السباق الرئاسي إلّا إذا توصّل فعلياً الى معطياتٍ تقنعه بأنّ فوزه بالرئاسة متعذّر. في حين أنّ جعجع مقتنع منذ أن رشّح نفسه أنْ لا حظوظ له بالفوز ولكنه وجد أنّ عليه الترشّح ليواجه اندفاعة عون لأنّ الأخير إذا وصل الى الرئاسة سيكون الزعيم المسيحي الاول بلا منازع مرفوداً بقيمة مُضافة هي دعم فريق 8 آذار له ما يجعل التوازن السياسي مختلّاً على حساب 14 آذار وحلفائها.

ليس واضحاً حتى الآن أنّ عون يخطر له التنازل عن سدّة ترشيحه، فهو يقرأ المعطيات في الإقليم أنها تتجمّع في مصلحة المحور الذي ينتمي اليه، ما يولد لديه رهاناتٍ على أن تصبّ هذه المعطيات في مصلحة نفاذه في لحظة ما الى سدة الرئاسة الأولى، أو في مصلحة مرشّح يكون هو الناخب الأول في اختياره، في حال تعذّر انتخابه شخصياً.

وفي المقابل فإنّ فريق 14 آذار الذي ينادي بانتخاب رئيس توافقي، المقتنع بإستحالة وصول مرشحه جعجع، يقرأ هو الآخر المعطيات في الإقليم على أنها تتجمع لمصلحة خياراته السياسية، وهذا ما يجعله يراهن على أن تساعده هذه المعطيات على التوصل مع فريق 8 آذار الى إتفاق على «الرئيس التوافقي» الذي يطمح اليه، وإن كان بعض اركانه يذهب الى الرهان على فوزه بمرشح يكون قريباً منه إن لم يكن من صفوفه.

غير أنّ بين السياسيين مَن يقول إنّ ما جرى في جلسة الحوار الاولى وما سيُجرى في الجلسات اللاحقة من تمسك كلٍّ مِن فريقي 8 و14آذار بأولويّاتهما في شأن الاستحقاق الرئاسي وقانون الانتخابات النيابية، وربما في شأن بقية بنود جدول اعمال الحوار التي تشكل خريطة طريق لحلّ الأزمة، هو بمثابة تجميع اوراق قوة يسبق عادة الدخول في التفاوض الفعلي للتوصل الى الحلّ المنشود الذي إذا حصل لا يكون بعده انتخاب رئيس الجمهورية اولاً او قانون الانتخاب، وطبعاً قد لا يبدأ هذا التفاوض المنتج إلّا في حال انطلاق حوار بين الممملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية في موازاة التفاوض الاميركي ـ الايراني او بعده.

ويشير هؤلاء السياسيون الى أنّ ما يجري حالياً في ميادين اليمن وسوريا والعراق هو عملية تعزيز مواقع وتجميع اوراق قوة تسبق الجلوس الاميركي ـ الايراني الى طاولة التفاوض على معالجة الأزمات الاقليمية، بعد إقرار الإتفاق النووي في الكونغرس الاميركي خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ولذلك فإنّ ما يقوله مدير الحوار رئيس مجلس النواب نبيه بري من أنّ الحوار بين قادة الكتل النيابية سيستمرّ في موازاة استمرار الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل»، إنما يستند فيه الى معطيات تجمّعت لديه وتفرض وضع قِدر حلّ الازمة اللبنانية على نار خفيفة حالياً في انتظار اللحظة التي تنضج فيها العوامل الخارجية المساعِدة للمتحاورين على إنتاج الحلّ المطلوب.