IMLebanon

الضرورة التشريعية  والضرر الرئاسي

لا تناسب في الأضواء والمواقف من موعدين في ساحة النجمة: موعد روتيني اليوم يحمل الرقم ٣١ لجلسة انتخابية لن يكتمل نصابها ولا مسعى لكي يكتمل، ولا شيء سوى مواقف باردة من أزمة الشغور الرئاسي. وموعد غداً لجلسة تشريع يدور على الطريق اليها كثير من الصخب والبحث عن ضمان النصاب الميثاقي لها. موضوع الجلسة التي لن تعقد مصيري بالفعل لأن بقاء الجمهورية من دون رأس، وسط مخاطر في الداخل وتحولات أخطر في المنطقة، يقلل الحد الأدنى الباقي من مناعة لبنان ضد الانهيار في أكبر صراع جيوسياسي يديره الكبار ويدار بأبعاد مذهبية على أيدي القوى الاقليمية. وجدول الأعمال في الجلسة التشريعية مهم ويتم التعامل مع الجلسة بمواقف حارة، مع انها ليست نهاية العالم.

جلسة التشريع توضع، ببنودها الملحة، عن حق في باب الضرورة. لكن هناك من يضع جلسة الانتخاب وموضوعها المصيري في باب الضرر، لا الضرر طبعاً بالجمهورية بل بالسياسات والممارسات التي تضع الجمهورية على الهامش، وبالمشاريع التي يراد لها ومنها ضمان الفرز والضم في لبنان ضمن عملية الفرز والضم في الشرق الأوسط. فالرئاسة هي، في الحد الأدنى، مفتاح تشغيل المؤسسات وضمان الانتظام العام في العمل. وهي اليوم، أكثر من أي وقت مضى، عنوان الميثاقية ورمزها، وسط مأساة القتل والتهجير وفرض الجزية والاذعان التي حلت بالمسيحيين في الشرق على أيدي المتطرفين التكفيريين الارهابيين وتحت أنظار الغرب.

وليس الاصرار خلال عام ونصف حتى الآن على الحؤول دون انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق سوى برهان عملي على نفاق الخطاب الداعي الى الحفاظ على المكون المسيحي ليبقى الشرق ثرياً بالتعددية. فالصراع عنيف بين مذاهب وتيارات اسلامية يضيق بعضها بالبعض الآخر. وما يدور حولنا على أيدي داعش والنصرة وسواهما هو ما اختصره ابو بكر ناجي بعنوان كتاب له: ادارة التوحش.

والكل يتصرف على أساس أن انتخاب الرئيس ينتظر تطور الأحداث في حرب سوريا. وكل طرف يتصور أن الأحداث ستنتهي بانتصار للمحور الذي هو ضمنه، وبالتالي سيصل الى قصر بعبدا الرئيس الملائم للمحور المنتصر. وهذا رهان على وهم في واقع مأسوي. فالتسوية هي السيناريو المرجح بين سيناريوهات انتصارية أو جغرافية خطرة. وعندما يصبح النظام والرئاسة جزءاً من تسوية في سوريا، فان من الطبيعي أن تكون الرئاسة في لبنان تسوية. ولا مبرر لأن يدفع البلد ثمن انتظار نصر لن يحدث، وانتظار تسوية يمكن أن نصنعها اليوم.