ما يصل من أخبار سوداوية من خلف البحار يحتم تبريد الجبهات الداخلية
استمرار اشتداد الحرب الكلامية يُهدّد «التسوية» وتفاهم معراب
مخاوف من تسلل الكباش السياسي إلى جلسات مجلس الوزراء ومناقشات الموازنة
كثرت في اليومين الماضيين التساؤلات والتحليلات حول مصير التسوية الرئاسية في ضوء ارتفاع منسوب السجال والكلام الناري بين التيار الوطني الحر وتيار «المستقبل»، وقد ذهب البعض إلى حدّ نعي هذه التسوية، فيما ذهب آخرون إلى التقليل من حجم هذه المخاوف من خلال وصف ما يجري بأنه تراشق من الممكن أن يصيب هذه التسوية من دون اسقاطها، بينما اعتبر فريق ثالث من المتابعين الدائمين لمجريات الواقع السياسي بأن هذه التسوية انتهت فور صعود الرئيس ميشال عون إلى قصر بعبدا بعد أدائه قسم اليمين في مجلس النواب.
من نافل القول ان المناخ السياسي السائد غير صحي، وهو يبعث على القلق ما لم يتم احتواؤه بسرعة كون ان التراشق الكلامي الذي شهدته الساحة السياسية خلال الأسبوع الذي سبق عطلة عيد الفطر اقترب من تجاوز الخط الأحمر من خلال نبش القبور واستحضار مواقف قيلت في أوقات الانقسام العامودي والافقي الذي كان يتحكم بالساحة الداخلية منذ بضع سنوات، أضيف إلى ذلك اللغة المذهبية التي عادت إلى مضامين الخطاب السياسي دون الالتفات إلى تداعيات ومفاعيل هذا الخطاب على الواقع الحالي، مما يُهدّد بعودة زعزعة الثقة التي في الاصل لم تُستَعَدْ بالكامل حتى بعد التسوية الرئاسية بين غالبية الأفرقاء السياسيين، كما ان ما يجري من شأنه ان يُقوّض الدولة التي يقال على لسان البعض على انها «قوية».
وإذا كانت مصادر سياسية ترى انه لا يُمكن إبقاء الوضع السياسي على ما هو عليه، وانه بعد عودة الرئيس نبيه برّي وسعد الحريري من اجازاتهما الخاصة في الخارج ستبدأ حركة من المشاورات والاتصالات محورها انعاش التسوية التي تشظت بشكل كبير نتيجة التراشق الكلامي الذي حصل بين التيارين الأزرق والبرتقالي كون ان الطرفين المعنيين يدركان ان تفاقم الوضع الراهن لا يصب في مصلحة أي منهما وقبل ذلك لا يصب في مصلحة الوطن الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية ومالية بالإضافة إلى ضغوطات دولية على خلفية الإصلاحات المطلوبة للايفاء بالوعود التي قطعت في مؤتر «سيدر» لمساعدة لبنان، فإن مصادر متابعة لا تفصل ما يجري في الداخل عمّا يجري في الإقليم نتيجة التأثير المباشر الذي يصيب لبنان بفعل أية متغيرات تحصل إن على المستوى الإقليمي أو الدولي، وانه ما دام الأمر كذلك فإن فض الاشتباك بين «التيارين» ليس بالأمر السهل، وان هذا الكباش سيكون له اثره السلبي إن على مستوى جلسات مجلس الوزراء التي كان يفترض ان تنطلق بزخم بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، كما ان الحال نفسه يسري على اجتماعات لجنة المال التي ستشرع مع بداية الأسبوع المقبل في مناقشة مشروع الموازنة التي احالته الحكومة إلى المجلس حيث عقدت لجنة المال جلسة لها الاثنين الفائت وبحثت في الفذلكة واستمعت إلى رأي وزير المال ووجهت إليه جملة من الأسئلة حول الأرقام المالية.
وفي تقدير المصادر ان أي فريق معني بالاشتباك لن يكون في مقدوره تحمل وزر استمرار هذا الكباش وبالتالي لا بدّ من التجاوب مع أي مصالحة تهدف إلى رأب الصدع، لأن المكابرة في هذه الحالة لا تفيد، لا بل على العكس فإن ضررها يطال الجميع وليس فريقاً بحد ذاته، سيما وأن الصدام السياسي الحاصل غير محصور بالتيار الوطني الحر وتيار «المستقبل»، إذ ان هناك سجال بلغ ذروته أيضاً بين «الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وهو سجال يتوجس البعض منه خيفة من ان يصل إلى حدّ الصدام بالشارع خصوصاً وان المساعي الخجولة التي تحصل ما تزال ترتطم بحائط مسدود نتيجة تصلب كل فريق بمواقفه وان فشل الوسطاء يعني ان تفاهم معراب بات في مهب الريح.
وحيال هذا الواقع السياسي المأزوم تؤكد المصادر ضرورة تبريد هذه الجبهات المتوترة وإعادة ضخ الحياة في شرايين التسوية الرئاسية وذلك الأمر بالنسبة لتفاهم معراب، لأن الاخبار التي تصل الى لبنان من خلف البحار تؤكد بأن المنطقة قادمة على مرحلة صعبة وخطيرة، وأن المسؤولين في لبنان مطالبون بتهدئة الساحة الداخلية لتجنب ما امكن الاضرار التي قد تتأتى من الرياح العاتية التي بدأت ترصد نتيجة ارتفاع منسوب التوتر على أكثر من جهة إقليمية ودولية وبفعل المخطط الذي يرسم للشرق الاسوط والذي يشتم منه رائحة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في عالمنا العربي.