IMLebanon

ما يحتاج إليه الناس… كثير من الإنسانية وبعض العطاء

يجلس رب العائلة يستمع الى ان جلسة التمديد لمجلس النواب ستتم بعد غد الاربعاء، فيضرب كفًا بكف ويسأل نفسه بكل عفوية: وأنا شو جاييني من هذا التمديد؟ ويتابع: النواب على طبق من فضة يمددون لأنفسهم لسنتين وسبعة أشهر، فهل وصلت طحنة القمح إلى البيت؟ وسواء مددوا ام لم يمددوا فما هي القيمة المضافة التي ستُعطى لي ولعائلتي على مستوى الحياة اليومية؟

***

لسانُ حالِ هذا المواطن هو لسان حال كل ربّ عائلة تكويه الاقساط المدرسية والفواتير المزدوجة للهاتف والكهرباء والمياه، والفواتير غير المنظورة.

ماذا ينفع المواطن إذا سمع على سبيل المثال خطاباً نارياً، فهل بالخطابات تُدفَع الأقساط والفواتير؟ ايُّ مدرسةٍ لم ترفع اقساطها، سواء كانت علمانية او كاثوليكية او غير ذلك؟

هل يعرف أصحاب الخطباء أن قسط تلميذٍ سنة أولى، سواء في مدرسة علمانية أو كاثوليكية يفوق الخمسة ملايين ليرة، عدا القرطاسية من كتب وغيرها؟ هؤلاء لماذا لا يُنشئون خليّة مساعدة للذين يودون أن يبقوا في لبنان خاصة من المسيحيين، إذ ان بعض الطوائف الأخرى تدفع لناسها كل ما يخص العلم إن في الابتدائية أو الجامعات كي لا يهاجروا؟ أليس من سبيل لجمع الاموال التي تُصرَف على الأسفار والمآدب من دون جدوى أو نتيجة؟ أحسبوا كلفة سفرة واحدة، الا توازي كلفتها كلفة تعليم أولاد قرية بكاملها؟

ارتاح الشعب من ترف كثرة سفر رؤساء الجمهورية السابقين فِلمَ لا تخصص هذه المبالغ المتوفرة للتعليم ودفع اقساط العائلات المحتاجة.

حين تتكلمون عن ثبات الناس في ارضهم وعدم هجرتهم إلى الخارج، فعليكم أن تقدِّموا لهم أسباب الصمود وعدم دفعهم إلى الغربة. كيف يصمدون فيما الاربع والعشرون ساعة في اليوم لا تكفيهم لتأمين قوت اولادهم وتوفير طبابتهم وتجميع أَكلاف الأقساط المدرسية؟ ما هذه الحياة التي كلها هرولة وراء تأمين حياة كريمة بالحد الأدنى؟ فماذا يفعل الخطباء ورجال المنابر للناس؟ مَن منهم اعان عائلة على دفعِ قسطٍ مدرسي؟ مَن منهم تكفَّل بفاتورة مياه أو كهرباء؟ ليس صحيحاً، الا في لبنان الاعتقاد بأن بالخطابات يحيا الانسان.

التصاريح لا تُغني ولا تسمن من جوع ولو كانت كذلك لكان لبنان اكثر بلد في العالم من حيث اقتدار شعبه على دفع مستحقاته.

***

لقد شبع الشعب خطابات جوفاء فماذا لديكم لتعطوه؟ خاصة تلك التي تحمل طابعًا ثوريًا، دون ان تقدِّم أو تؤخر. ما يحتاجه الناس في وطننا قليل من الكلام وكثير من الانسانية وعطاء كريم من الاوقاف المسيحية منها.

إذا كنا نريد ان ننتقل من العالم المتأخر والمتخلِّف إلى العالم المتقدِّم فإن أول شيء يجب القيام به هو التعاطي مع هذه القيادات على انها تقوم بواجباتها، ولا يمكنها ان تمنن الناس بما تقوم به، فمَن من النواب أو الوزراء يحضر جلسة يكون قد قام بواجبه، كذلك الامر ينطبق على كل المراجع السياسية وغير السياسية، فلا احد يُربِّح الناس جميلة في ما يقوم به فهذا أقل واجباته.

***

إذا كنتم فعلاً تريدون للناس ان يبقوا في وطنهم وألا يفكروا في الهجرة، فما عليكم سوى تزويدهم باسباب الصمود، أولا وهي: العلم، ثم كرامة الطبابة، اما الكهرباء والمياه وضمان الشيخوخة فكثير ان نطلب من مسؤولينا هذا الكم للناس، وهذه الخطوات ليست بالتأكيد الوعود الكلامية والخطب النارية والكلام المعسول.

فأسباب الهجرة كثيرة فيما اسباب البقاء لا يتوافر فيها سبب واحد، فإذا كان الخيار بين الهجرة والبقاء فإن اللبناني سيختار بالتأكيد الهجرة، ومَن لديه مقترحات أخرى عملية وليست نظرية وتنظيرية فليتقدَّم بها.