يجمع المراقبون الديبلوماسيون ومعهم خبراء المال والاقتصاد، على انّ عدم القدرة على التحكّم بسعر الدولار سيرفع من منسوب الأزمات الموروثة من العام 2021 الى الذروة مع بدايات سنة 2022. فكل التوقعات تتحدث عن ضغوط مالية هائلة في الاشهر الاولى منها، ترفع نسبة المآسي الى الذروة قبيل الانتخابات النيابية. فكل السيناريوهات التي تواكبها تشي بفقدان الحلول وسط المكائد والمقالب المنصوبة. وعليه، كيف السبيل الى تفنيد هذه التوقعات؟
يحاول بعض المراقبين لأدق التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية وتلك المتوقعة مطلع السنة الجديدة، إبعاد شبح التشاؤم عن مواقفهم وتوقعاتهم بلا جدوى. فكل المؤشرات توحي بمزيد منها. فلم يتمكن أهل السلطة من طي اي من الملفات الخلافية العالقة، وإن تمّ ترحيل البعض منها الى السنة الجديدة، فقد تفاقمت أخرى «على زغل» ما زال ينمو تحت «الجرح الملتهب». فيما انتهت المقاربات الفاشلة للبعض الآخر منها الى انهيارات متتالية، زادت من مخاطر انعكاساتها على كل ما ارتبط بمختلف وجوه حياة اللبنانيين.
وإن حاول البعض عند توزيع المسؤوليات على مفتعلي الأزمات ومعهم المتسببون بها، لتجنّب إصابة البعض منهم والتخفيف من نسبتها، يردّ ذلك الى انسداد الأفق الدولي وحجم النزاعات القائمة بين المحاور الاقليمية والدولية الكبرى، وهو ما حال دون الوصول الى أي من التفاهمات المطروحة خارجيًا وداخليًا. وبانتظار أن يحلّ اي منها، ما قد يخفف من حدّة التشنج الداخلي، فتتراجع حدّة المواقف ومعها الكلفة المقدّرة من الأغلى المدفوع حاليًا، الى درجة متدنية على اللبنانيين. وإن اعتقد صانعو هذه الأزمات انّهم في منأى عنها، فلن يطول الأمر ليكتشفوا انّهم سيكتوون بنارها ومعهم المستهدفون على حدّ سواء، الى درجة تعمّ فيها المآسي مختلف الاوساط اللبنانية من دون النظر الى ضرورة التنبّه الى حماية الحدّ الأدنى من المصلحة الوطنية التي لا تميز بين فريق وآخر.
على هذه الخلفيات، بيّنت السيناريوهات السلبية المتوقعة لسنة 2022، ولا سيما منها تلك التي ستشهدها الأشهر الأولى منها. فما هو ثابت انّ السنة الجديدة سترث كل ما تركه لها العام الذي اقترب من نهايته من مآسٍ، مما سيؤدي الى تنامي الأزمة المالية والإجتماعية فور مغادرة بضع عشرات الآلاف من المغتربين الذين قصدوا البلاد في الأسابيع التي سبقت عيدي الميلاد ورأس السنة لتمضية هذه الفترة الوجيزة بين اهلهم، وهو ما سمح بضخ بضعة ملايين من الدولارات في شرايين الإقتصاد، وسمح للزوار بتسهيل عبور الأعياد وتوفير مستلزماتها لعائلاتهم، بعدما طرحت بأسعار لم تكن في متناول معظم اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية.
وما يزيد القلق انّ مثل هذه المظاهر وما تركته من سلبيات لم تغيّر من بعض الاستراتيجيات المعتمدة لدى بعض الأطراف، رغم الفشل الذريع في توفير ما هو مقصود منها. فالمنطق يقول بضرورة ان يلجأ المتعثر إلى إجراء تغيير جذري في رؤيته لمستقبل الوضع في لبنان. والإعتراف بالفشل ليس عيبًا والعودة عن بعض الخطوات والمواقف الخاطئة يصبح حاجة ملحّة في اعتبارها إحدى الخطوات الإجبارية لتحسين ظروف المواجهة، ومن اجل تصويب البوصلة لفتح الطريق الى منافذ ولو محدودة لبعض الأزمات التي يمكن معالجتها بقدرات محلية ومحدودة، شرط توافر النيات الصادقة، للتخفيف من سلبياتها بدلّا من الاستمرار بمنطق المناكفات التي أدّت إلى تفاقمها وأعاقت التوصل إلى معالجتها.
وإن توغل المراقبون في سرد ما هو متوقع من سيناريوهات ستستمر فصولها مع دخول السنة الجديدة فإنّ من الصعب استثناء اي من تلك التي ارهقت اللبنانيين حتى اليوم. فالأزمة الإقتصادية والنقدية تنحو إلى ما هو أخطر مما بلغته ومعها تتعدّد وجوه الأزمات المتناسلة منها على أكثر من مستوى. فالأزمة الكهربائية المستمرة ومعها أزمة المشتقات النفطية تترافق مع أخرى ستضرب قطاع الاتصالات والإنترنت بعد المياه، ويترقب المعنيون تجدّد ازمة النفايات الى جانب ازمة زراعية بالغة الخطورة نتيجة تقلّص المساحات المزروعة ما لم يتوافر الدعم لكثير من مستلزماتها من الأسمدة والبذور والمازوت كما في السابق.
وإلى هذه المعاناة التي سيزيد منها تقلّص موارد العائلات اللبنانية ستزيد ازمة الادوية قياساً على ارتفاع اسعارها وفقدان الدعم الذي كانت توفره المؤسسات الضامنة وشركات التأمين وإعادة التأمين، بعدما تقلّص استيراد كثير منها، في وقت سينعدم وجود كثير من الماركات العالمية التي عرفها اللبنانيون، بعدما حال المتوافر النادر منها دون قدرة فئات واسعة على شرائها لأنّها ارتفعت اسعارها بطريقة خيالية، ولا سيما منها المتعلقة بالأمراض المزمنة والمستعصية والعلاجات الاخرى.
وفي مقابل هذه الوجوه المتعددة للأزمات المنتظرة، يبقى الوضع السياسي أخطرها، طالما انّها من مراياها. فما طال السلك القضائي من تدخّلات أدّت إلى تجميد إجراءات عدة، يُخشى من تأزم الوضع الحكومي ان توسعت دائرة المبارزة القائمة بين اهل السلطة، لتشمل العمل في المجلس النيابي، ان لم يوقّع رئيس الجمهورية مرسوم الدورة الاستثنائية التي تحتاجها الحكومة للبت ببعض القوانين الضرورية التي تحاكي الإصلاحات المنتظرة لدى المجتمع الدولي والجهات المانحة قبل الداخل اللبناني. وكل ذلك يجري على الرغم من المؤشر الذي اظهرته الدعوة التي وجّهها تكتل»لبنان القوي» الى رئيس مجلس النواب لتحديد جلسة لمساءلة الحكومة، فشكّلت في رأي اوساط نيابية طعنة من اهل البيت طاولت رئاسة الجمهورية، لانّها ستدفعها الى التراجع عن التهديد بعدم فتح هذه الدورة إن أراد التكتل فعلًا عقد مثل هذه الجلسة لإثارة ما تركته الجلسات السابقة من انعكاسات سلبية بين بعبدا وعين التينة، والتي أضاف إليها اللاقرار الصادر عن المجلس الدستوري مزيداً من التأزم.
وفي ضوء هذه الخلفيات وسواها مما هو متوقع من تطورات تحاكي الاستحقاقات الكبرى المنتظرة النيابية منها والقضائية والسياسية والديبلوماسية، فإنّ المخاوف تتزايد من ان يتحقق ما قصده البعض لوضع البلاد في مثل المأزق الحاصل تحقيقًا لأهداف لم يُعلن عنها صراحة الى ان تتحقق كأمر واقع لا بدّ منه. وهو ما رفع من نسبة المخاوف على بعض هذه الاستحقاقات المهمة التي يمكن في حال تجاوزها او تعطيلها، كمثل الانتخابات النيابية، ان تفتح الأفق على مجموعة اخرى من الأزمات التي يصعب معالجتها. وهو أمر تتوقعه بعض الدوائر الاجنبية التي رفعت الصوت لفرض نوع من الوصاية على أهل الحكم في لبنان معطوفة على مجموعة من العقوبات الجديدة التي قد تتنوع مصادرها بين اقليمية ودولية وأممية وأميركية، اشارت اليها تقارير ديبلوماسية عدة وصلت الى المسؤولين اللبنانيين الكبار مباشرة او عبر قنوات مختلفة لاحتساب الخطوات المقبلة بنضج يخشى انّه مفقود، وبحس أكبر من المسؤولية.