حين صدر قانون حقّ الوصول الى المعلومات، هلّل اللبنانيون لصدوره، لأنّه صار بإمكانهم أن يعرفوا ماذا يجري داخل إدارات الدولة.
هذا القانون، على أهميته، جاء متأخراً نسبياً، فالناس باتوا يملكون القدرة على الوصول الى المعلومات والقدرة على التواصل مع صانعي القرار عبر مواقع التواصل الإجتماعي، التي تثبت يوماً بعد يوم أنها أصبحت سلطة في حدّ ذاتها تهابها سائر السلطات.
فليس قليلاً أن يُقال إنَّ تطيير الجلسة العامة لمجلس النواب، التي كانت تبحث سلسلة الرتب والرواتب سببه رسالة نصيَّة بدأت عبر الواتس أب وتوسّع انتشارها عبر فايسبوك، فتمّ تبادل الإتهامات بين النواب عن مصدر التسريب، الأمر الذي أدّى الى تطيير الجلسة لأنَّ هذا التسريب أدّى الى احتقان الشارع وانفجاره في إعتصامات أحرجت السلطة.
***
لائحة الأسعار التي صدرت على الواتس أب، بصرف النظر عن صحتها أو عدم صحتها، كانت بمثابة عيِّنة أثبتت أنّه لم يعد بالإمكان تمرير شيء على الناس.
في ما مضى، كان الرأي العام يتفاعل مع كلِّ ما يُكتَب من خلال ما كان يُسمّى ببريد القرَّاء الذي كان يصل بعد أسبوع أو أكثر، فيخفُّ وهج الموضوع المَحكي عنه. اليوم لم يعد الأمر هكذا، ما إن يوضَع المقال أون لاين حتى تبدأ التعليقات والتفاعل مع ما يُكتَب:
من التعليقات ما يرِد في شكلٍ مختصر ومنها ما يرِد في شكل مطوَّل، ولكن في المحصلة فإنّ تعليقات الناس تثبت الوقائع والمعطيات التالية:
القارىء في مستوى ذكاء ما يُكتَب، وأحياناً أكثر ذكاء.
القارىء لم يعد ينطلي عليه شيء ممّا يعتقد المسؤولون والسياسيون أنّهم يمرّرونه عليه.
حين يتفاعل الكاتب مع القارىء فإنّ المنتَج السياسي والإعلامي يُشكِّل خارطة طريق للمسؤولين.
***
من خلال تفاعلات القرّاء، يتبيَّن ما يلي:
الناس سبقوا السياسيين في داتا المعلومات، الناس أكاديميون، أساتذة جامعات، نقابيون، متخصّصون، تجّار، صناعيون، موظّفون، عمَّال، يعيشون الواقع والوقائع كما هي:
لا يمكن الضَحِك على الناس بالقول لهم إنَّ رفع سعر الدخان، على سبيل المثال لا الحصر، كان من أجل أن تأتي الزيادة لخزينة الدولة لا لجيوب التجّار!
أليس بالإمكان ضبط الأسعار من دون زيادتها؟
لا يمكن الضَحِك على الناس من خلال إيهامهم أنَّ المشكلة تُحلُّ بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، فالزيادات التي ستُعطى استُهلِكَت سلفاً من خلال الزيادات في المحلات والمتاجر.
لا يمكن الضَحِك على الناس من خلال إيهامهم بتحقيق المعجزات في خلال شهر، فما عجِزت عن تحقيقه السلطتان التشريعية والتنفيذية في أعوام، كيف لها أن تحقّقه في شهر؟
***
الناس يتفاعلون، إذا كان ما تطرحونه عليهم لا يتناسب مع مصالحهم، فإنّهم يتفاعلون سلباً، أما إذا كان ما تطرحونه إيجابياً، فإنهم يتفاعلون إيجابياً، ومن خلال المعطيات، فإنّ دفَّة السلبية ما زالت متقدّمة على دفَّة الإيجابية.
إنّه نبض الناس، وهذا النبض لا يُخطىء.