IMLebanon

مفاوضة فمقايضة.. أو انفجار وشيك ؟!

لي في هذه الحكومة وزراء اصدقاء، احبهم واحترمهم، بمثل محبتي واحترامي لرئيسها تمام سلام، ابن صائب سلام، رئيس الحكومة الاستثنائي وواحد من كبار رجالات هذا البلد، ويعرف هؤلاء، كما يعرف غيرهم ان «صوتي من رأسي» ولا احد يملك كلمتي، او يؤثر على ارادتي، ولذلك فاناعندما انتقد الحكومة، لا انتقد اشخاصاً، بل سياسات وممارسات، اشعر انها ليست في مصلحة البلد، وهذا امر عادي وطبيعي بين صحافي ومسؤول حتى في ايام الحكومات العادية الطبيعية، فكيف في هذا الحكومة الهجين المشكلة من مجموعة تناقضات، صحّ فيها الوصف الذي اطلقه يوماً البطريرك التاريخي نصرالله صفير على هذا النوع من الحكومات التي تشبه عربة يجرّها حصانان، واحد يجرّ الى الامام، والثاني الى الوراء، ولذلك فان الوزراء الذين يعملون بوحي من ضميرهم واخلاقهم ووطنيتهم، اصدقاء هم او غير اصدقاء، يعرفون ان انتقاداتي ليست موجهة اليهم، بل الى الذين شوّهوا الحياة السياسية، ومنصب الوزراة بتصرفات وتدابير وقرارات، لا اقول عشوائية بل هي عن سابق تصوّر وتصميم، طائفية، مذهبية، فئوية، شخصية، حزبية بامتياز، وكل وزير من هذه المدرسة «تحت باطو مسلّة بتنعرو».

هذا الكلام الصريح المباشر هو الرّد على عتب البعض، وغضب البعض الآخر، الذي اعتبر ذاته معنياً، بما ورد في مقالتين لي، يومي الاثنين والاربعاء المنصرمين.

***

ليس عجيباً ولا غريبا، ان يلمس المواطنون ان حكومة الرئيس سلام، تعاني منذ تشكيلها ارباكاً ملحوظاً في اي عمل تقوم به، باستثناء ربما تحديد ايام العطل الرسمية التي تتوافق عليها ارضاء للطوائف والمذاهب، اما باقي القرارات فهي اشبه بالولادة القيصرية التي تتطلب جراحة موجعة ليس لها، بل لهذا الشعب «المعتّر» بوجود هكذا حكومات ومسؤولين.

وكان يمكن للرئيس سلام، صاحب النفس الطويل، والاعصاب الهادئة، ان يسير بحكومته في حقل الالغام المنصوب لحكومات ما بعد انتفاضة 14 آذار 2005، لو ان الاوضاع الداخلية تمر بحالة مقبولة نسبيا من الهدوء الامني والنمو الاقتصادي، ولكن كيف لها ان لا تصاب بالارباك الشديد والعجز القاتل عندما تحولت من 28 وزيرا الى 28 رئيس جمهورية على ابواب حروب مفتوحة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا، واحداث امنية خطيرة في مصر والبحرين، وتمرد طاغوت تكفيري يدعى «داعش» على مساحة تعادل مساحة لبنان ثماني مرات واكثر بين العراق وسوريا، ويتحضر للتمدد الى لبنان بعد تجربة له في عرسال انتهت بفشلها بفضل تضحيات الجيش وصلابته، ولكن الثمن كان كبيرا بين شهداء وجرحى ومخطوفين.

لو ان هذه الحكومة تتكلم لغة واحدة، ما كانت قضية الجنود المخطوفين، اخذت هذا الوقت الطويل، وهذه التعقيدات المفتعلة ولما كان تم ذبح ثلاثة منهم في شكل وحشي، لكنه برج بابل الحسابات الداخلية والخارجية والشخصية والمذهبية، هو الذي يربك حكومة سلام ويربك حركتها وقراراتها وما اصرار الحكومة على سرية معالجتها لهذه القضية الوطنية سوى لتفادي الانقسام العلني بين صفوفها حول مبدأي المفاوضة والمقايضة، فهناك فريق مع المفاوضة وضد المقايضة، وهناك فريق مع المفاوضة علنا والمقايضة سرا، وهناك فريق مع المقايضة، انهاء لعذابات الجنود المخطوفين وعائلاتهم واقاربهم، ودور الرئيس سلام على ما يبدو التوفيق بين الافرقاء الثلاثة، حتى لا تنفجر حكومته، وتفجر البلد.

مؤشر التفاؤل ارتفع قليلا في اليومين الماضيين، على الرغم من الضجيج الاعلامي لجهة معينة، الذي «يبشر» بان معركة لبنان لت تتأخر كثيرا وكأن هناك من يريد ان يطمر هذا التفاؤل، ويعيد الامور الى المربع الاول، والحكومة ملزمة بمصارحة الشعب حول ما يكتب ويقال في هذا الشأن، وهذا كل ما يمكن ان تفعله، ان لم تكن عاجزة عن فعل شيء اخر.