«للصبر حدود».. هذا ما يوحي به الرئيس ميشال عون في معرض مقاربته ملف النازحين السوريين الذي يضعه ضمن اولوياته الأساسية. وعليه، تعمّد عون أن يوجّه الى كل من يعنيه الامر رسالة واضحة، عبر صندوق البريد الاممي في نيويورك، بأنّه يقترب من لحظة تغيير قواعد التعامل مع هذا الملف، ما لم يبدّل اصحاب القرار الدولي سلوكهم الملتبس.
يمكن القول إنّ المعادلة واضحة بالنسبة الى عون: «عندما تصبح كلفة الحوار المباشر مع الرئيس السوري بشار الاسد لتسهيل عودة النازحين أقل من كلفة بقاء هؤلاء على الاراضي اللبنانية، فانّه لن يتردّد في حسم خياره والتواصل على اعلى المستويات مع دمشق».
صحيح، أنّ موقف عون يندرج، حتى هذه اللحظة، في سياق زيادة جرعات الضغط على الممسكين بمصير النازحين، دولياً واقليمياً، لدفعهم الى تسهيل عودتهم، إلّا أنّ هذا لا يعني انّ رئيس الجمهورية سيكتفي برفع الصوت والتهديد النظري بالانفتاح على سوريا، بل من يعرفه جيداً يدرك أنّه مستعد جدياً لسلوك طريق دمشق، ما لم تُفتح أمامه السبل الأخرى التي من شأنها ان تقود الى ضمان رجوع النازحين المقيمين في لبنان الى بلادهم.
أمّا العوامل التي سمحت لعون بهذه الاندفاعة والانتقال من الدفاع الى الهجوم، فهي الآتية:
– تحسّبه لمفاعيل الازمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي تساهم تلقائياً في تقليص قدرة لبنان على تحمّل أعباء النازحين.
– رصده انفتاح بعض الدول العربية على سوريا بعد سنوات من القطيعة، كما فعلت الامارات العربية المتحدة والبحرين، وحتى الجانب السعودي خفّف نبرته العدائية حيالها، فلماذا يكون لبنان ملكياً أكثر من الملك ولا يمدّ الجسور مع دمشق التي تربطه بها المصالح والحدود المشتركة؟
– اقتناعه بأهمية وضع الدولة السورية أمام مسؤولياتها، وبالتالي اختبار حقيقة نيّاتها، في ما يتعلق بمستوى جدّيتها إزاء إعادة النازحين، بدل اتهامها من بعيد بالمناورة وعدم الاستعداد لاستقبالهم.
– امتعاضه من السلوك المريب والمتمادي للمجتمع الدولي الذي يفعل كل ما من شأنه أن يشجّع النازحين على البقاء حيث هم، بدل ان يحفّزهم على الرجوع.
ويؤكّد عون، كما ينقل عنه زواره، انّه كان يعني ما يقول عندما لوّح من على منبر الامم المتحدة بالتفاوض المباشر مع الدولة السورية لحل معضلة النازحين السوريين، إذا استمرت بعض العواصم والمنظمات الدولية في عرقلة عودتهم، وذلك على قاعدة انّ «المصلحة اللبنانية العليا فوق كل اعتبار».
ويلاحظ عون، أنّ البعض في لبنان تحسس فوراً من موقفه وسارع الى التشويش عليه، «كأن زيارتي دمشق حصلت وانتهى الأمر».
ويلفت الى أنّه راعى كثيراً طيلة المرحلة السابقة بعض المواقف والحساسيات الداخلية إزاء خيار تفعيل الحوار الرسمي مع دمشق لمعالجة ملف النزوح، «لأنني حريص على تحصين التماسك الوطني وعدم تعريضه للتمزّق وسط الظروف الصعبة التي يمرّ فيها لبنان، لكن إذا استمر المجتمع الدولي في تجاهل واجباته ومسؤولياته حيال تأمين عودة النازحين، فأنا سأتصرّف على طريقتي، لأنني لا يمكن ان أبقى متفرجاً على استفحال الخطر الوجودي والكياني الذي يمكن أن يهدّد لبنان جرّاء وجود هذا العدد الكبير من النازحين على أرضه، خصوصاً أنّ الحرب توقفت في معظم الاراضي السورية».
ويضيف: «صدقوني.. أنا لا أمزح ولا أناور عندما يتعلق الأمر بمصير لبنان، وبالتالي كونوا أكيدين انني سأفعل كل ما هو ممكن لأزيح عن كاهله أعباء النزوح، أما التوقيت فأنا أختاره».
وفي الانتظار، تفيد المعلومات أنّ مستشار عون الوزير السابق بيار رفول لا يزال يواظب على زيارة دمشق من حين الى آخر ولقاء كبار المسؤولين فيها، للتشاور في الطريقة الافضل لمعالجة قضية النازحين، الى جانب البحث في امور أخرى تهمّ الدولتين. ومع تلويح رئيس الجمهورية باحتمال حصول حوار مباشر بينه وبين الدولة السورية، باشر رفول تحضير الارضية لأي قرار قد يتخذه عون في هذا الاتجاه.
وينبّه أحد القريبين من عون، الى أنه يُراد من الإبقاء على النازحين، حيث هم، عدم التخلّي مجاناً عن أحد عناصر الضغط على لبنان وسوريا، ومن غير المستبعد استخدامه لاحقاً في سياق محاولة فرض «صفقة القرن».
ويلفت، الى أنّ عون لا يزال يراعي مشاعر بعض الاطراف الداخلية، «وهو على سبيل المثال لم يلتقِ وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك من باب تجنّب استفزاز أحد، لكن آخر الدواء هو الكي، وعند الضرورة سيستخدم رئيس الجمهورية السلاح المناسب لانقاذ الوطن».
ويعتبر مصدر بارز في 8 آذار، أنّ عون معني بأن يستخدم صلاحياته ويتخذ القرارات التي يفترض من موقعه كرئيس للجمهورية انها صحيحة ومناسبة، من غير أن يتوقف عند أي اعتبار آخر، «وهو إذا كان مقتنعاً بانّه من الضروري في هذه المرحلة ان يزور دمشق ويلتقي الرئيس بشار الاسد لمعالجة ملف النزوح وغيرها من الامور، فعليه ان يفعل ذلك، من غير أن يعرض الامر مسبقاً على مجلس الوزراء لنيل موافقته، لأنّ هذا القرار يتعلق به وحده، خصوصاً أنّ العلاقات الرسمية قائمة بين الدولتين».
ويلفت المصدر، الى أنه لو كانت العلاقات الثنائية مقطوعة ويريد عون ان يتخذ قراراً باستئنافها، لوجب عليه ان يناقش المسألة في مجلس الوزراء، «إلّا أنّ الواقع هو غير ذلك، وبالتالي لا حاجة له الى أن يقيّد حركته بموقف مسبق من الحكومة مجتمعة».
ويشير المصدر، الى انّه بامكان رئيس الحكومة سعد الحريري ان «يؤيّد او يعارض زيارة عون المفترضة لدمشق، وهذا شأنه، انما لا يحق له أن يعطلها، أما إذا كانت هناك ضرورة بعد عودة عون لاتخاذ قرارات معينة، فانّه يعرضها آنذاك على مجلس الوزراء الذي يمكنه ان يتوافق عليها، أو يذهب الى التصويت».
ويرى المصدر، انّه «عندما يستخدم عون حقه في زيارة سوريا، من دون ان يتوقف عند حسابات هذا او ذاك، فانه يكون قد كرّسها أمراً واقعاً وحقيقة سياسية ينطلق منها للتفاوض على الزيارة اللاحقة».