أفضل ما يمكن ان نفعله في لبنان راهنا هو الابقاء على منسوب توتر منخفض بالنسبة الى الخلافات الكبيرة التي لن تجد حلولا اليوم ولا غدا. فالمهمة العاجلة اليوم تقضي بمنع انهيار المؤسسات السياسية والادارية المهترئة اصلا، ومنع انفلات الشارع، والحؤول ما امكن من دون دخول النار السورية الى لبنان. وهذه المهمة العاجلة لا يمكنها ان تنجح بجهد فريق واحد من دون الفريق الآخر الذي يمثل سلوكه التهديد الاول للكيان والنظام والتوازنات الداخلية.
واذا كان “الحوار” بين القوتين السياسيتين الكبريين في لبنان “تيار المستقبل” و”حزب الله” رمى الى تبريد الساحة الداخلية قدر الامكان، وحل المشاكل المحلية القابلة للحل الموضعي، فإن حرف الانظار عن جوهر المشكلة لا يلغيها، وترك الخلافات الاساسية خارج أي نقاش حقيقي مع الطرف المعني من شأنه ترك الجمر تحت النار. فتأجيل الحديث والنقاش العميق للأمور الاساسية مثل سلاح غير الشرعي، وعصابات ما يسمى”سرايا المقاومة”، والتورط في الدماء السورية ربما أجل الصدام الداخلي، لكنه لا يمكن في أي حال ان ينهي الازمة او يحجبها الى الأبد. من هنا فإن السياسة “الحوارية” التي ينتهجها الرئيس سعد الحريري مع “حزب الله”، على أهميتها لخفض منسوب التوترات الداخلية، لن تكون كافية لمنع اشتعال النار عندما يحين موعد الاستحقاقات الكبرى في القضايا الخلافية الكبرى. وبالطبع فإن مواصلة “حزب الله” بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله التورط اكثر في سياسة المحاور في المنطقة، وتوهمه أنه صانع معادلات اقليمية، وإصراره على التورط في كل مكان من زاوية الحروب المذهبية العبثية، لا يمكن إلا ان يوصل النار المستعرة اقليميا الى قلب لبنان. ومهما حصل على مستوى “الحوار” الداخلي القائم حاليا، ستظل الازمة كاملة الاركان. فالاستسلام لخيارات “حزب الله” غير وارد على الاطلاق. الهدنة ممكنة وهي حاصلة جزئيا. اما تسليم البلاد رضائيا كما يدعو “حزب الله” بقية اللبنانيين، فمستحيل مهما اشرت الظواهر الى وجود “تفاهمات” قائمة لتسهيل حياة اللبنانيين اليومية.
على الجميع أن يدرك أمرا أساسيا: ان اشاحة النظر عن عمق الازمة لن يحلها. وسوف تدركنا الازمة مهما ادرنا لها ظهرنا. وان لم تأتنا النار من الخارج سوف يأتي يوم تشتعل في الداخل، وتكون مادتها الملتهبة انقلاب الفريق الآخر على “التفاهمات” والمواثيق ونتائج “الحوار” ايا يكن حجم الدعاية لهذا “الحوار”.
نعم لـ”الحوار”، لكن فلينتبه الجالسون إلى طاولة الحوار قبالة “حزب الله” أن أهم عنصر في أي مفاوضة يكون “الموقع التفاوضي”. فماذا سيفعل الاستقلاليون ليحسنوا موقعهم التفاوضي، فيتحاوروا من موقع القوة لا موقع التسليم بالأمر الواقع بإشاحة النظر عن جوهر المشكلة التي يشكلها مصدر التهديد الاول للبنان واللبنانيين؟ ما حصل في اليمن درس قيّم لنا في لبنان!