أضعف الإيمان
عبارة «علينا أن نتفاوض في النهاية»، التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأحد الماضي في مقابلة بثّتها قناة «سي بي أس» ما زالت تُشعِل جدلاً عالمياً وإقليمياً واسعاً. وهي كشفت حقيقة مهمّة مفادها أن لا وجود لحل عسكري، بل مخرج سياسي. وكل التعقيبات والتفسيرات التي صدرت عن تركيا وشركاء غربيين لواشنطن، اعترفت في ثناياها بأن الطريق الوحيد لوضع نهاية لمعاناة الشعب السوري، والخروج من مأزق الاستنزاف، هو الحل السياسي، وإن غُلِّفَ الاعتراف بعبارات جرت العادة على ترديدها في الحديث عن الأزمة السورية.
كيري قال في تصريحاته إن بلاده «ستضطر للتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد في شأن انتقال سياسي في سورية»، ولم يقل إن بلاده ستبدأ عملية تفاوضية. فهذه الأخيرة جرّبت جنيف بنسختيه الأولى والثانية وفشلت. ومن غير المعقول أن كيري لا يفرّق بين العبارتين. والتطمينات التي صدرت عن الإدارة الأميركية بعد تصريحاته، ربما، قصدت تخفيف الصدمة لدى الشركاء الذين لم يُؤخذ رأيهم في توجُّه واشنطن الجديد. لكن من يقرأ بتمعّن تطمينات جوش إرنست، الناطق باسم البيت الأبيض، سيجد أنه حسم الجدل، وكشف هدف الإدارة من وراء تصريحات كيري، إذ قال إرنست: «أولويتنا هي التعاطي مع الخطر الذي يمثله المتطرفون الذين يستغلون الفوضى في سورية». كأنه يقول إن الاعتراف بنظام الأسد أو عدم الاعتراف به، صارا وسيلة الحل، وليسا غايته.
لفهم الغضبة الأوروبية من تصريحات كيري، تجب العودة إلى تذمُّر الفرنسيين، وبعض الدول الأوروبية، من توجّهات المفاوضات الأميركية مع إيران حول مشروعها النووي، والتي كشفت خوف الأوروبيين من حصول الشركات الأميركية على الدثور والأجور كثمن للصفقة مع طهران. وجاءت تصريحات كيري لتعزز تلك المخاوف. يمكن قراءة هذا الجدل الذي أحدثته تصريحات الوزير الأميركي كجزء من الضغوط التي تحدّث عنها كيري، وربما هي ضغوط مضادة من الأوروبيين على واشنطن لتخفيف تنازلات الجانب الأميركي في مفاوضاته مع إيران.
لا شك في أن واشنطن وشركاءها الأوروبيين، وبعض الدول الإقليمية المؤثّرة في الأزمة السورية، أصبحوا مدركين أن لا مفر من إنهاء الحرب الأهلية في سورية، وأن نزع فتيل العنف من يد المتطرفين، الذين يستغلون الفوضى للاستمرار والتمدد، أصبح الهدف المقبل.
الأكيد أن مفاوضات على طريقة جنيف لإنهاء حرب معقّدة، دخلت عامها الخامس، لم تعد مجدية. ويصعب الرهان على معارضة غير متجانسة، وليس لديها مشروع موحد للحل، فضلاً عن أن بعضها بات طرفاً في نزاعات مع دول إقليمية مؤثرة.