IMLebanon

مفاوضات؟!

في العودة الى المفاوضات السورية في جنيف شيء من نظرية «الفن للفن» لكن مع غياب أكيد لمكرمة الإبداع! حيث التفاوض لمجرد التفاوض، بعد أن صار المسار الآخر، التقريري الفعلي والمؤثر، خارج قاعات اللقاء في المدينة السويسرية، بل في الواقع خارج الجغرافيا السورية نفسها.

منذ بداياتها كانت مفاوضات جنيف محكومة بالعقم: لا بقايا السلطة الأسدية أرادت حلاً سياسياً. ولا الروس كانوا جدّيين كفاية في محاولة إنتاج بديل من نظام ساقط. ولا الراعي الأممي كان قادراً على فرض أو تظهير أي تسوية.. ولا الجانب الأميركي كان مهتماً بسياقات تلك النكبة خارج حدود حساباته الإيرانية، والتفويض الذي أعطاه لموسكو في شأنها.

بل يتبيّن اليوم، أنّ جنيف كانت تركيبة إسفنجية وظيفتها الأولى امتصاص زخم الميدان المائل لمصلحة المعارضة بكل ألوان طيفها.. وتدرّجت الطروحات التي رُميت فيها تحت شعار البحث عن حل سياسي، نزولاً وليس صعوداً، بالتوازي مع تدحرج أوضاع المعارضة ميدانياً وسياسياً و«إرهابياً»… الى أن نسي الجميع وبالتدريج أيضاً، قصة المرحلة الانتقالية المفضية، افتراضاً، الى خروج بشار الأسد وكل تركيبته السلطوية من الحكم، ومن سوريا معاً!

مَنْ يتذكّر.. أو يستحضر طروحات جنيف – واحد اليوم؟! وأين صارت «مبادئ» الحل التي قيل إن جون كيري وزير خارجية باراك أوباما تفاهم عليها مع نظيره سيرغي لافروف وزير خارجيّة فلاديمير بوتين؟ بل من يأخذ على محمل الجدّ، الآن أكثر من الماضي، تلك الأجندات المطّاطة والمترفة التي داخ الموفد الدولي ستيفان دي مستورا وهو يحاول صياغتها والمتعلّقة بالحكومة الانتقالية، والدستور والانتخابات ومحاربة الإرهاب وألف ألف تفصيل آخر ذي صلة بكل ذاك؟

قبل الآن بقليل، كان مسار الآستانة إعلاناً مموّهاً عن موت جنيف! ووصول الطاقة الاستيعابية لإسفنج مفاوضات الحل السياسي الى درجة التشبّع.. وكانت (مفاوضات) الآستانة واقعية بقدر ما كانت مفاوضات جنيف وهميّة واستعراضيّة، لكن المسارَين في المحصّلة أرادا «ترتيب» موت السوريين، وتخفيف حدّته في عالم مكشوف، وليس وضع حدٍّ له! وزركشة الهولوكوست السوري ببراقع ضميريّة وإنسانية ليس إلاّ!

خارج ذينك المسارَين تُرسم اليوم خطوط تلك النكبة ومآلاتها. وهذا أمر مستجد. حيث للمرّة الأولى منذ ست سنوات تقريباً، يدخل معطى التوازن الدولي الفعلي على الخط. ويُفتح البازار على وسعه. ويبدأ السعي الأميركي – الروسي «المشترك» الى تنظيم الفوضى، إذا صحّ التعبير. والشروع في صياغة الأوزان والأدوار بعيداً (مرحلياً) عن الاستحالة المزدوجة، المتصلة بالحل العسكري والحل السياسي!

بهذا المعنى، يمكن الافتراض، بأن المرحلة الانتقالية التي تأخرت ست سنوات، انطلقت للتوّ. وهذه تبدأ من «نهاية» الإرهاب جغرافياً، وتمتد الى العناوين الكبرى الحقيقية الخاصة بالنكبة وأصلها، من نفوذ إيران الى مصير الأسد.. على أمل ألاّ تستمر ست سنوات أخرى!