Site icon IMLebanon

لبنان مُطالَب بموقف حازم: العدوّ يفخّخ مفاوضات الترسيم بوفد سياسيّ من «الوزن الثقيل»!

 

 

قبل انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، منتصف الشهر الجاري، بدأت الولايات المتحدة الأميركية والعدو الإسرائيلي زرع الألغام أمام لبنان. رفع العدو من مستوى وفده إلى المستوى السياسي الصريح، ومن «الوزن الثقيل»، بإدخال المستشار السياسي لرئيس حكومته بنيامين نتنياهو في الوفد، إلى جانب مسؤول المنظومة السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية. أما واشنطن، فطلبت صورة «تذكارية» لجلسة التفاوض الأولى «تجمع كل الأطراف». إجراءات خطيرة، شكلاً ومضموناً، تستوجب موقفاً لبنانياً رافضاً. فأيّ تهاون في هذا المجال يُعدّ تواطؤاً

 

في كتاب مذكّراته الصادر قبل أسابيع، يروي الرئيس السابق أمين الجميل بعضاً من تفاصيل إتفاق 17 أيار بين لبنان والعدو الإسرائيلي. تحتَ عنوان «كانَ الآتي أعظم»، يُخصّص فقرة لشرح تفاصيل اليوم الذي سبق تاريخ التوقيع عام 1983. يقول الجميل: «ما كنا ننتهي من صوغ آخر بنود الإتفاق ونستعدّ لتوقيعه في الغداة، حتى حدث انقلاب فُجائي غيّر الموقف برمته في اللحظة الأخيرة. في 16 أيار، طلبَ رئيس الفريق الأميركي في المفاوضات موريس درايبر مقابلتي على وجه السرعة. أعلمني بوجود رسالة جانبية ملحقة، طلب الموفد الإسرائيلي من الأميركيين تسليمنا إياها، من المُفترض أنها جزء لا يتجزأ من الإتفاق». ويُشير الجميل إلى أن الرسالة «نصّت على ثلاثة شروط جديدة غير واردة في النص المتفق عليه». بصرف النظر عن تلك الشروط، مِن المفيد، ولبنان على أعتاب مفاوضات غير مباشرة مع العدو الإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية برعاية الأمم المتحدة، العودة إلى سوابق ارتكبها الأميركيون والإسرائيليون لتوقيع الإتفاقات. هذه العودة واجبة، بمعزل عن أن مشروع 17 أيار هو مسار مختلِف كلياً عن الترسيم، لكن العدو هو نفسه، بما يوجِب التنبّه للأفخاخ التي يُمكن أن يزرعها قبل الجلسة الأولى من التفاوض أو خلال العملية برمتها.

 

منذُ الإعلان عن إتفاق الإطار الذي تمّ التوصل إليه كقاعدة للتفاوض، اعترض كثيرون على أصل التفاوض. بعض المعترضين من المعادين لأي تفاوض مع العدو، الذين يخشون فتح أي باب لدخول «اسرائيل» من «الطاقة» بعدما أخرِجَت بالقوة من الباب العريض. وبعضهم الآخر، ليس سوى من المزايدين على قوى سياسية لبنانية. لكن مخاوف المعادين لأي تفاوض مع العدو تكاد ان تتحقّق. إذ سارعت تل أبيب إلى السعي لرفع مستوى المفاوضات، إلى مفاوضات سياسية، فيما الاتجاه اللبناني يقضي بجعلها مفاوضات تقنية شبيهة بتجربة لجنة مراقبة تفاهم نيسان (1996)، ومفاوضات ترسيم الخط الأزرق بعد تحرير الجنوب عام 2000، وبعد حرب تموز 2006. ترجمة هذه الأفكار الإسرائيلية بدأت من خلال تسريب معلومات عن ترؤس وزير الطاقة في حكومة بنيامين نتنياهو، يوفال شتاينتس، للوفد الإسرائيلي الذي سيفاوض في مقر قوات الطوارئ الدولية في الناقورة، كوسيلة لرفع مستوى التمثيل وإعطاء العملية كلها طابعاً سياسياً. هذا الفخ الاول تجاوزه لبنان، من خلال رفض حضور وزير في حكومة العدو المفاوضات. لكن يبدو ان تل أبيب مصرة على ذلك، من خلال التلويح امس، بإمكان مشاركة الوزير نفسه في المفاوضات «متى لاحظ ان الجانب اللبناني يماطل»! والأدهى من ذلك، وهو ما يحتاج إلى موقف لبناني حاسم، أن العدو قدّم «تخليه» عن فكرة مشاركة شتاينتس في المفاوضات كخطوة مهمة، لكنّه فخخ الوفد المفاوض بما لا يقل خطورة عن مستوى وزير. فالوفد سيرأسه المدير العام لوزارة الطاقة. يمكن، تجاوزاً، اعتبار هذا المستوى تقنياً، وموازياً لمشاركة لمشاركة رئيس هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان. ويضم وفد العدو رئيس قسم التخطيط الاستراتيجي في جيش الاحتلال، العميد اورين سيتر. هنا أيضاً، يمكن تجاوزاً اعتبار هذا المستوى موازياً لمستوى نائب رئيس الأركان للعمليات في الجيش اللبناني الذي سيرأس الوفد اللبناني. لكن ما لا يمكن لبنان القبول به هو إدخال شخصيتين في الوفد، هما من المستوى السياسي المحض، أي المستشار السياسي لرئيس حكومة العدو، رؤوفين عازار، ورئيس المنظومة السياسية في وزارة الخارجية الاسرائيلية، ألون بار. عند هذا المستوى، يبدو جلياً ان العدو مصرّ على ان تكون المفاوضات سياسية لا تقنية، تماماً كإصراره على أن تكون المفاوضات مباشرة. ولا بد من موقف لبناني حازم، يمنع تحويل محادثات، عبر الامم المتحدة، إلى مفاوضات ذات طابع سياسي بحت، تبحث اموراً سيادية. ويصبح هنا مفهوماً أيضاً ما حاول العدو دسّه في اتفاق الإطار، عندما حاول إضافة عبارة تقول إن الاتفاق على حدود المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة يتم بناءً على محاضر جلسات التفاوض. وقد رفض الجانب اللبناني هذه العبارة، لانها تعني ان الحكومة ستكون موافقة مسبقاً على كل ما يدور في جلسات الناقورة، فأسقِطَت العبارة من الاتفاق.

أسماء الوفد التي اعلن عنها شتاينتس ليل أمس، يريد العدو ان يسجّل عبرها اكثر من هدف في آن معاً:

1- فرض مستوى سياسي للمفاوضات.

2- إحراج الجانب اللبناني، بعد موافقته على مبدأ التفاوض غير المباشر، ورمي الكرة في ملعبه لاتهامه بتعطيل الترسيم الذي سيتيح التنقيب عن النفط والغاز في منطقة واعدة.

3- إحراج الرئيس ميشال عون عبر تحميله مسؤولية امام الأميركيين في حال رفضه مستوى تمثيل العدو في المفاوضات، بعدما اعلن الرئيس نبيه بري اتفاق الاطار الخالي من المستوى السياسي.

4- إحراج حلفاء الرئيس عون، واولهم حزب الله، الذي سيكون مضطراً إلى اتخاذ موقف من هذا المستوى من التفاوض. ومن غير المستبعد ان يكون توقيت الإعلان عن المستوى السياسي لوفد التفاوض المعادي مرتبطاً بصدور موقف عن كتلة الوفاء للمقاومة النيابية، امس، التي اكدت أن «تحديد إحداثيات السيادة الوطنيّة هي مسؤوليّة الدولة اللبنانية، المعنيّة حصراً بأن تعلن أن هذه الأرض وهذه المياه هي أرضٌ ومياهٌ لبنانيّة. وترى الكتلة، خلافاً لكل الكلام الذي قيل هنا وهناك، أنّ الإطار التفاوضي حول موضوع حصري يتصل بحدودنا البحرية الجنوبيّة واستعادة أرضنا وصولاً إلى ترسيم مواقع سيادتنا الوطنيّة، لا صلة له على الإطلاق لا بسياق المصالحة مع العدو الصهيوني الغاصب لفلسطين ولا بسياسات التطبيع التي انتهجتها مؤخراً وقد تنتهجها دول عربيّة لم تؤمن يوماً بخيار المقاومة ولم تمارسه ضدّ عدوّ الأمّة في يومٍ من الأيام».

وفي هذا الإطار، بدا لافتاً إصرار إعلام العدو ومسؤوليه، كما الدبلوماسيين الأميركيين، على القول إن حزب الله ربما سيُفشل المفاوضات.

 

هل يفترض في المفاوضات حضور دبلوماسي ضمن الوفد اللبناني؟

 

 

زرعُ الألغام في التفاوض لا يقتصر على العدو. فللولايات المتحدة الأميركية نصيبها أيضاً. تبدّى ذلك في أن الأمم المتحدة، وبناءً على طلب من مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر الذي يصِل إلى لبنان يوم 12 تشرين الأول الجاري، قررت أن تشهد الجلسة الافتتاحية، بحسب معلومات «الأخبار»، صورة تذكارية تضم «الأطراف الأربعة معاً»: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان وقائد قوات اليونيفيل، والوفد الأميركي برئاسة شينكر، ومن جهة الوفد اللبناني، ومن الجهة الأخرى الوفد الإسرائيلي. هذه الصورة «التذكارية» المراد نشرها في الإعلام، لم يشهد لبنان مثيلاً لها في اجتماعات لجنة تفاهم نيسان 1996، ولا كل الاجتماعات التي كانت تُعقد في الناقورة بين الجيش اللبناني واليونيفيل وجيش العدو، منذ عام 2007، دورياً. وهذه الصورة هي ما يطلبه الأميركيون تحديداً، لأجل تحقيق هدفين: تثبيت فكرة «المفاوضات المباشرة بين لبنان وإسرائيل»؛ ومنح الرئيس الأميركي دونالد ترامب «نجمة» جديدة يضيفها إلى «النجوم» التي حصّلها من اتفاقات التطبيع والتحالف بين «إسرائيل» وكل من النظام الإماراتي والنظام البحريني. هذا الأمر، الذي قد يراه البعض شكلياً، هو مما ينبغي على لبنان منع حصوله أيضاً.

وجرى التداول بمعلومات تفيد بأنّ الوفد اللبناني سيضمّ الى جانب العسكريين والخبراء، شخصية دبلوماسية، علماً بأن الاتفاق اللبناني الداخلي كان ينصّ على «مفاوضات تقنية»، و«ليست محادثات سلام ولا تطبيع»، باعتراف شينكر نفسه، و«ليست خطوة لإقامة علاقات دبلوماسية» على حد قول السفير الأميركي الأسبق جيفري فيلتمان. وهنا يُطرح سؤال عما يفرض على لبنان إشراك دبلوماسي في وفده، في حال صحة المعلومات. فالدبلوماسية هي من الوسائل التي تعبّر عن المدى الذي آلت إليه العلاقات بين طرفين من تدهور أو تطوّر. واختيار عسكري لرئاسة الوفد اللبناني يعني أن مسألة الحدود لا تزال داخلة، حتى في شقها التفاوضي، «في إطار الحرب». ولا يمكن النظر ببراءة إلى إدخال شخصية دبلوماسية في الوفد، إلا في حال كانَ الدبلوماسي متقاعداً، ويشارك بصفته مستشاراً أو خبيراً.

ومن بين الألغام التي يُمكن أن يواجهها لبنان والتي يجِب على الطرف اللبناني المفاوض أن لا يهملها، هي محاضر الاجتماعات التي سيعدّها ممثلو الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وستوقّع من قبلهما وتقدّم الى «إسرائيل» ولبنان للتوقيع عليها في نهاية كل اجتماع. فمن يضمن أن ينقل الطرفان حرفياً ما يقوله أو يطلبه الجانب اللبناني أو يسجل تحفّظاته عليه؟

بداية التفاوض هي معركة جدية، سيسعى فريق الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» إلى تحقيق انتصار كبير فيه. وهذا الانتصار يُسجّل بالنقاط التي تبدأ من الشكل قبل المضمون. وأيّ تهاون في الشكل يعني تواطؤاً مع العدو، ومع الوسيط غير النزيه.