لبنان عين على مفاوضات فيينا والثانية على المحادثات الإيرانية – السعودية
يبدو أن الملف الحكومي مساراً ومصيراً قد دخل في علم الغيب، حيث ان ما من أحد من السياسيين، مهما كان حجمه ونفوذه وخبرته في علم السياسة اللبنانية يستطيع الإجابة عن أي سؤال يتعلق بتأليف الحكومة، ويتهرب من الإجابة بالقول: العلم عند الله.
تأتي هذه المقدمة للدلالة على الفجوة العميقة التي تعلق فيها عملية التأليف، وللاشارة أيضاً الى ان كل ما طرح من أفكار، وابتدع من صيغ منذ أن تمّ تكليف الرئيس الحريري تأليف الحكومة قد ذهب أدراج الرياح، وفي كل يوم يمر يكون كأنه اليوم الأول الذي تلى عملية الاستشارات وشروع الرئيس المكلف في رحلة البحث عن توليفته الحكومية. وإذا كان الأفق الداخلي مسدوداً بالكامل أمام أي محاولة لإخراج ملف التأليف من الوادي السحيق الذي يقبع فيه نتيجة ما يعصف بالعلاقة بين القوى المعنية بهذا الملف من توترات وصلت إلى حدّ الخوف من انعكاسها على الشارع الذي لا يحتاج صاعقه للانفجار أي جهد، فإن الأنظار تتجه إلى ناحيتين: الناحية الأولى ما يجري في فيينا على مستوى التفاوض الأميركي – الإيراني حول الملف النووي كون أن أي تقدّم على مستوى العلاقة بين الجانبين سيكون له تأثير مهم على مستوى المنطقة، ومن الطبيعي أن يستفيد منه لبنان، والناحية الثانية ما يجري من محادثات إيرانية – سعودية حيث لن يكون لبنان بعيداً عن تداعيات هذه المحادثات ان هي جنحت بالاتجاه الايجابي أو السلبي، وفي حال أفضت هذه المباحثات إلى نتائج بغالبيتها إيجابية فإن ملفات المنطقة بغالبيتها ستوضع مجدداً علی طاولة النقاش والتفتيش عن حلول لها.
وفي هذا السياق فإن مصادر عليمة تتوخى الخير من عملية المحادثات بين طهران والرياض وترى أن مجرّد جلوس الجانبين إلى الطاولة وجهاً لوجه لبحث الملفات الخلافية بروح الحوار بعيداً عن مناخات التوتر والتشنج ستكون له ايجابياته الكبيرة على ملفات المنطقة برمتها، خصوصاً وأن المعلومات تؤكد أن الإدارة الأميركية قد باركت مثل هذه اللقاءات وإن هي لم تقدّم أي شيء من شأنه أن يُساعد على الخروج باتفاق أو تفاهم، الا أنها لا تريد أن تكون سبباً في أية عرقلة، وهذا التوجه يُشكّل عاملاً مساعداً في إحراز تقدّم في هذه العلاقة المقطوعة منذ ما يقارب الخمس سنوات.
لكن هذه المصادر تدعو إلى ترقب ما يجري في فيينا من دون اغفال أهمية فتح القنوات بين إيران والسعودية، وهي تعتبر أن مجرّد تصاعد الدخان الأبيض، فهذا يعني أن المنطقة تتجه إلى نوع من التراجع في حدة التوتر والاستعداد إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بنوع من الإيجابية التي تساعد في اجتراح الحلول للمشاكل الموجودة.
أهل الحل والربط في لبنان يتصرفون وكأن بلدهم بألف خير وخالٍ من الأزمات
غير أن المصادر ذاتها ترى أن الوصول إلى هذه الغاية ما زال بعيد المنال ويحتاج إلى الكثير من الوقت، لكن العامل الزمني يلعب دوراً محورياً في محادثات فيينا حيث توجد رغبة في التوقيع على الاتفاق قبل حلول شهر حزيران الموعد المحدد لاجراء الانتخابات الإيرانية.
من هنا، فإن المصادر لا تتوقع أي تقدّم على خط تأليف الحكومة المرتبط في اعتقادها ارتباطاً وثيقاً بمحادثات فيينا، واللقاءات الايرانية- السعودية، مشددة على أن تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود على مستوى ملف الحكومة لن يبدأ قبل انقشاع الرؤية على مستوی هذه المفاوضات واللقاءات، وإلى أن نصل الى هذه المرحلة فإن لبنان بمختلف ملفاته سيبقى في مرحلة الانتظار والتشنج، حيث يسعى كل فريق سياسي الى التعامل مع ملف التأليف وفق عامل الوقت عله يحصن موقعه أو يزيد من حصصه السياسية وفق ما تجري الرياح الإقليمية والدولية.
وتستغرب المصادر الخفة التي يتعاطى فيها أهل الحل والربط في لبنان مع الشأن الحكومي، حيث انهم يتصرفون حيال كل الملفات المفتوحة وكأن الوضع اللبناني بألف خير، وكأن ليس هناك أزمات مالية واقتصادية واجتماعية تحتاج إلى معالجات سريعة قبل انهيار الهيكل على الجميع، واصفة ما يجري حالياً وكأن المسؤولين في كوكب وعامة النّاس في كوكب آخر، حيث كشفت الأزمات المتلاحقة بأن الشعب اللبناني في غالبيته غير موجود على أجندة السياسيين الذي جل ما يريدونه هو الحفاظ على مكتسباتهم السياسية وحماية مكدساتهم المالية، وهي حالة تؤشر إلى ان لبنان في حال بقي المسؤولون فيه كل يغني على ليلاه، سيذهب الى الانهيار الكامل على كافة المستويات وهو ما يحذر منه أكثر من مسؤول عربي أو أجنبي مطلع على الملف اللبناني.
وفي اعتقاد المصادر نفسها أن استمرار النكد السياسي والنكايات في مقاربة الملفات، وتوقف عجلة التأليف في ظل انقطاع خطوط الحوار والمشاورات بين قصر بعبدا وبيت الوسط في ظل غياب كامل لأي مبادرات جديدة، ان على مستوى الداخل أو الخارج سيؤدي الى مزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي، حيث أن بعض المواكبين لما يجري على الساحة اللبنانية بات يحذر من انفجار اجتماعي بات قاب قوسين أو أدنى من حصوله، لكنهم يرون أنه ما زال هناك بعض الأمل في تجنّب هذا الانفجار من خلال تقديم المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والذهاب الى التفاهم على توليفة حكومية تكون قادرة على اجتراح الحلول والشروع في عملية إصلاحات واسعة تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان وتفتح خزائنه لتقديم يد العون لهذا البلد الذي يشرف على لفظ أنفاسه الأخيرة.