Site icon IMLebanon

مفاوضات «تجنّب الضربة»: الثمن انتقال سياسي ورحيل الأسد!

 

التحضيرات الأميركية رسالة إلى موسكو ولا تشبه غارة مطار الشعيرات على خلفية الكيماوي في خان شيخون

 

 

خبراء في الشأن الروسي: من المبكر الحديث عن حل في سوريا… وحرب الاستنزاف  هي لإنهاك الروس والإيرانيين

لا يتمحور النقاش راهناً حول إمكانية توجيه ضربة أميركية لأهداف محددة في سوريا على خلفية استخدام نظام الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيماوية المفترضة في دوما في الغوطة الشرقية، بل حول فرضية وجود مفاوضات دبلوماسية خلف الأبواب المغلقة لتجنّب الضربة بـ «ثمن ما»… وماهية هذا الثمن؟ يعود الحديث هنا مجدداً عن احتمال انتزاع الغرب «ضمانة قاطعة» من الروس برحيل الأسد عن السلطة. وإذا حصل هذا الأمر، تكون «الضربة» قد أدّت مفاعيلها من دون حصولها، غير أن لا أجواء قوية توحي بالذهاب إلى حل من دون عمل عسكري يدفع في اتجاه التحضير لعملية انتقال سياسي.

العودة إلى احتمال انتزاع موافقة روسية بشأن رحيل الأسد يعززها، وفق مراقبين أميركيين، وصف الرئيس الأميركي للأسد بـ «الحيوان»، ما يقطع أي إمكانية مستقبلية لتعامل إدارة ترامب معه، بعد ذهاب «سيد البيت الأبيض» إلى هذا الحد في توصيفه.

الضغط في حقيقة الأمر هو على موسكو. العملية العسكرية التي يتم التحضير لها، وترغب واشنطن أن يشارك فيها عدد من دول التحالف لن تكون خاطفة على غرار استهداف مطار الشعيرات العسكري في نيسان 2017 عقب استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في خان شيخون، بل إن ما تعمل عليه واشنطن هو ضربة عسكرية تستمر لعدة أيام، وتتناول أهدافاً محددة من شأنها أن تُخرج المطارات والقواعد والمنشآت العسكرية وأنظمة التحكّم بالصواريخ عن العمل، بما يُضعف الأسد وإمكانات نجاة سفينته هذه المرة على يد الحليف الروسي، الذي يُعمل على محاصرته أيضاً. اللافت في كلام منظري سياسة ترامب هو إدراجهم استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في دوما ضمن عملية تفريغ «جوار دمشق» تمهيداً لتغيير واقعه الديموغرافي واستبدال سكانه بجماعات موالية لإيران. الكلام الأميركي يأتي بعد معطيات كانت نُسبت إلى أجواء القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش – القوة العسكرية الفعلية في دوما – عن ثقته الكاملة بالروس لجهة ضمان ألا يتم تفريغ الغوطة الشرقية، ولا سيما دوما، من سكانها المدنيين.

في قراءة منظّري ترامب، أن روسيا اليوم تبدو في أضعف مراحلها: من ورقة كوريا الشمالية، إلى التضامن الغربي حيال الخرق الأمني الروسي في بريطانيا، إلى تزويد أوكرانيا – الحديقة الخلفية لروسيا – بأسلحة نوعية كما بولندا. فبوتين الذي فاز بولاية رابعة لست سنوات مقبلة، يُدرك معنى حصول تذمر شعبي في بلاده على خلفية تدهور الوضع المعيشي الذي يتفاقم مع الضغوطات والعقوبات الغربية نتيجة العلاقات المتدهورة مع الغرب، ويُدرك أن رهانه على  «المارد الصيني» في وجه أميركا قد لا يكون في محله نتيجة للمصالح الاقتصادية بين البلدين، ذلك أن «شدّ الحبال» التجاري الذي تشهده العلاقة بين بكين وواشنطن لا يعني اصطداماً دائماً، وأن الجانبين لا بد من أن يصلا إلى حلول مقبولة.

سوريا هي الميدان الأوسع لما تبقى من النفوذ الروسي، وبالتالي هي أيضاً الميدان الأرحب لمحاولة تحجيم هذا النفوذ من دون الاحتكاك العسكري المباشر. فالمخاوف ضئيلة من حصول اشتباك بفعل قناة الاتصال المفتوحة بين العسكريين الروس والأميركيين بشأن العمليات في سوريا، إضافة إلى وجود رغبة أوروبية بعدم الانجرار إلى تصعيد عسكري في المنطقة. الهدف هو «تقليم أظافر موسكو» في ملعبها السوري، في ضوء طموحها للعب دور صاحبة الكلمة الفصل، لا الشريكة في حل الأزمة السورية، ومحاولتها القفز فوق الحل المتفق عليه في جنيف.

على أن الحذر هو من مفاجآت غير مُنتظرة على يد اللاعب الإيراني وأذرعه العسكرية باتجاه إسرائيل. بوتين حضّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عدم التصعيد، والأخير حذّر موسكو من مغبة استهداف إيران وميليشياتها لإسرائيل. الرسالة لا تتعلق بالجنوب السوري فقط، بل بلبنان أيضاً.

الحذر هو من توريط لبنان. أي كلام رسمي ليس ذا قيمة ما دام القرار في طهران وأداة التنفيذ في حارة حريك. المخاوف من أن يكون قد تمّ تهريب صواريخ  أرض – جو إلى لبنان، وأن يلجأ «حزب الله» إلى استخدامها انطلاقاً من الأراضي اللبنانية انتقاماً لاستهداف قواعد إيرانية في سوريا ليس مستبعداً أن تكون ضمن «بنك الأهداف» الأميركية. فأي استهداف للتحالف من لبنان بأسلحة «كاسرة للتوازن» موجودة في يد «حزب الله» لن يعطي فرصة لهجوم إسرائيلي فحسب، لكنه سيستدرج رد فعل دولياً ضد لبنان. فهذا السلاح موجود في يد منظمة مصنّفة إرهابية من قبل أميركا، وجناحها العسكري مصنف أوروبياً بالإرهابي، بمعزل عن تصنيف اللبنانيين له.

الورقة اللبنانية في القبضة الإيرانية، التي يشتدّ حولها الخناق كلما اقترب أيار. ترامب أودع الأوروبيين شروطه لعدم إلغاء الاتفاق النووي من جانب واشنطن، وأولها، تعديل الاتفاق لجهة منع إيران بالكامل من إنتاج قنبلة نووية والسماح للمفتشين الدوليين بزيارات مفاجئة للمواقع الإيرانية، وثاني الشروط يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية، والذي يبرز خطره أكثر فأكثر مع استخدام الحوثيين لأنواع من المنظومة الصاروخية الإيرانية ضد المملكة العربية السعودية، وثالثها يتعلق بوقف تمددها العسكري والأمني في المنطقة، حيث استفادت طهران من حقبة أوباما لتعزيزه.

وإذا كانت الأجواء من العاصمة الأميركية تشي بأن ترامب ذاهب نحو إلغاء الاتفاق، فإن مفاجآت اللحظة الأخيرة قد تحصل في هذا المجال أيضاً، إذا نال الموافقة على الشروط التي وضعها لا سيما لجهة منع إيران من الحصول نهائياً على قنبلة نووية، الأمر الذي يعتبر إنجازاً فعلياً له.

المشهد على الساحة السورية غير واضح المعالم بالتأكيد، وثمّة خبراء في الشأن الروسي يرون أنه لا يزال من المبكر الحديث عن قرب أَجَل الحل. فتلك الساحة تشكل استنزافاً حقيقياً للروس والإيرانيين، وليس من مصلحة واشنطن إراحة هذين النظامين، في وقت لا يزال حلفاء أميركا غير جاهزين للنزول إلى الأرض عسكرياً من أجل أن يأخذوا دورهم كقوات عربية في هذا البلد، وأن يتحمّلوا مسؤوليتهم فيه.

حرب الاستنزاف في سوريا حقيقة باتت موسكو متيقنة منها، وتدرك أن لا مصلحة لها في التصعيد. وقد بدأت ترسل إشارات قوية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، غير أن الأنظار متجهة نحو إيران، وما إذا كان من الممكن أن تُقدم على خطوة انتحارية تأخذ معها لبنان إلى المجهول!.