يدخل لبنان اليوم مسار تفاوض طويل وشاق حول حدوده البحرية والبرية مع اسرائيل. على المستوى الداخلي لم ينج الموضوع من تعقيدات داخلية وخلافات حول الصلاحيات وشكل الوفد المفاوض، وخارجياً لن يكون سهلاً كشف نوايا إسرائيل المعروف عنها شراستها في المفاوضات التي تجهز لها ترسانة قوانين مع وفد تقني سياسي من الدرجة الأولى. ما يضع لبنان امام مشقة تستلزم منه اعداداً قوياً وصلابة في المواقف واجماعاً وطنياً وحكومة قادرة على المواكبة. عوامل لم تتوافر لغاية اليوم ما يثير الخوف على موقف لبنان المفاوض وقدرته على مجابهة اسرائيل، التي تدخل بنية مفاوضات سياسية مع لبنان ولو أعلنت العكس فيما لا يريد لبنان أبعد من تحصيل حقوقه.
فبرعاية الأمم المتحدة التي سيحضر منسقها الخاص يان كوبيش، وحضور أميركي يتمثل بنائب وزير الخارجية الأميركي دافيد شينكر، ومعه السفير الذي سيكلف متابعة الملف جون ديروشر، تنعقد قبل ظهر اليوم الجولة الاولى من المفاوضات البحرية مع اسرائيل في القاعة ذاتها التي تشهد اجتماعات اللجنة الثلاثية واستضافت اجتماعات لجنة تفاهم نيسان. يمثل لبنان وفداً رسمياً يضم كلاً من العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة ادارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط (مدني)، الخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي (مدني)، ويضم الوفد العسكري الإسرائيلي المطعم بسياسيين، المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، والمستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو رؤوفين عازر، ورئيس دائرة الشؤون الاستراتيجية في الجيش الاسرائيلي.
جلسات تحضيرية عقدها رئيس الجمهورية ميشال عون مع قائد الجيش العماد جوزف عون والوفد المفاوض وكان الإتفاق على أن “المفاوضات تقنية، ومحددة بترسيم الحدود البحرية، وعلى ان البحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديداً”. موقف لم يلغ تحفظ “حزب الله” على الوفد اللبناني الذي توزع بين عضوين عسكريين واثنين مدنيين.
منذ البداية رفض “حزب الله” الترسيم على الحدود البرية والتي لم يبق حولها الا خمس نقاط خلافية باستثناء مزارع شبعا والغجر. وأثار اعلان اسرائيل عن مستوى تمثيل وفدها المفاوض قلقاً لديه خشية ان يشكل لبنان وفداً مماثلاً، فرفض ادراج السفير هادي الهاشم أو مدير عام القصر الجمهوري أنطوان شقير في عداد الوفد ومن ثم اعترض على اسم نجيب مسيحي، الذي تم تعيينه كخبير في الامور الدولية وينسق مع قيادة الجيش منذ زمن طويل حول هذا الموضوع، ويعتبر جزءاً من الوفد التقني و”ليس سياسياً” وعلى وجود شباط بوصفه مسؤولاً في وزارة الطاقة، إعتبر أن ضمهما كمدنيين الى الوفد العسكري المفاوض هو مطلب اميركي – اسرائيلي لتظهير المفاوضات على أنها سياسية وليس فقط تقنية. مجرد ادخال مدنيين بالنسبة لـ”حزب الله” يعني شكلاً من أشكال التطبيع وهو يتنافى مع شروط الاتفاق – الاطار الذي يتحدث عن ترسيم يبدأ من البر برعاية الأمم المتحدة يجريه عسكريون. وأبلغت قيادة “حزب الله” رئيس الجمهورية استياءها وعدم اقتناعها بالمبررات او الخلفيات وان بإمكان بقاء المدنيين الخبراء في ثكنة الجيش العسكرية في الناقورة او في وزارة الدفاع. مكمن الخطورة من وجهة نظر “حزب الله” أن دخول المدنيين أعطى المفاوضات طابعاً سياسياً لم يتفق عليه في اتفاق الاطار الذي وافقت عليه الدولة اللبنانية وتم استعراضه بمكتب رئيس المجلس، و”كنا متفاهمين حوله فما المبررات لادخال مدنيين على خط المفاوضات تحت عنوان خبراء؟”. يخالف “حزب الله” من يربط الامر بمسأله الثقة بالرئيس عون: “لحزب الله ملء الثقة برئيس الجمهورية وبقيادة الجيش وانما نحن نتحدث عن مفاوضات اتفق على شكلها ان تكون غير مباشرة يجريها عسكريون فلماذ يتم تفخيخها والانقلاب على إتفاق – الاطار بإدخال مدنيين؟ يرفض “حزب الله” تشبيه مفاوضات اليوم بالمفاوضات السابقة حول القرار 1701 او تفاهم نيسان او بتلك التي حصلت من خلال الاميركيين مع بري: “لم تكن هناك مفاوضات بل مشاورات بينما اليوم تبدأ المفاوضات واعطينا ملاحظاتنا بأن انضمام المدنيين ترك استياء بالغاً لدى قيادة حزب الله”، التي أبقت اتصالاتها مفتوحة مع بعبدا في محاولة لإقناع عون باجراء تعديل على الوفد المفاوض. وحتى كتابة هذه السطور لم يكن قد طرأ اي تعديل يذكر.
الجلسة الاولى
وتحضيراً لجلسة التفاوض الاولى أعد الجيش ملفاته والخرائط اللازمة والتي تظهر حدود لبنان وحقه في استعادتها. خصص إجتماع بعبدا امس لشرح النقاط التي سيتم التفاوض بشأنها. ومن المفترض ان يتم خلال اول جلسة تقرير شكل البيان الذي سيصدر والصورة للوفد المفاوض والتي كانت لم تحسم بعد لوجود خلاف بشأنها قبل ان يحسمها عون بإمكانية التقاط مثل هذه الصورة لكل المتواجدين على الطاولة. وستكون الجلسة الاولى عامة بحيث سيطرح كل فريق ما لديه ويقوم بعرض عام على أن تعقد الجلسة الثانية في 28 الجاري ليبدأ البحث جدياً.
منطلق التفاوض
– يتمسك لبنان بكامل حقه في مياهه الاقليمية ويستند في ذلك الى القوانين الدولية المرعية الاجراء. وحسب اتفاقية قانون البحار والاعراف الدولية بما فيه قرارات محكمة العدل الدولية والمحاكم التحكيمية والمحكمة الدولية لقانون البحار: عدم احتساب تأثير الجزر الصغيرة الحجم التي لها أثر غير تناسبي على خط الترسيم كما هي الحال بين لبنان وفلسطين المحتلة.
– الخط الازرق هو الخط الذي إعترف به لبنان “خط 23″، بينما الخط الاحمر هو الخط الاسرائيلي “اي 1″، بينما خط هوف الذي إقترحه الاميركيون ويقسم المنطقة بين الخطين وهو خط متوازي الابعاد بين شواطئ الدولتين مع احتساب تأثير كاي للجزر.
– هناك جزر قبالة الاراضي الاسرائيلية، يدخل الوفد في معضلة الجزر اذا تمّ ضمها الى المساحة الدولية. خط هوف ضم الجزر. اذا تمّ احتسابها لساحل فلسطين يكون عندنا خط هوف واذا تجاهلنا ضمها بحكم غير موجودة يكون عندنا الخط الاخضر، وهذا الامر يضيف الى المنطقة اللبنانية 1430 كلم² (كانت 860 كلم²) فتصبح المنطقة 2290 كلم². هذه الجزر الصغيرة وغير المأهولة وهي عبارة عن صخور ناتئة ومساحتها بضعة امتار، بهذه الحالة القانون الدولي والاجتهاد الدولي يسمحان للبنان بتجاهلها في الترسيم. وحسب توجيهات قيادة الجيش فالتفاوض يجب أن يبدأ من هذا الخط الذي يطالب به لبنان لانه حسب القانون الدولي يمكن تجاهل هذه الجزر وبالتالي يمكن تطبيق القانون الدولي. وهذا الموقف المتقدم يعني عملية خلط للاوراق.
بحسب القانون الدولي هذا الخط يعبر حقل كاريش الاسرائيلي وهو حقل غازي ونفطي ويكون نصفه في المياه الاقليمية اللبنانية، واذا كانت اسرائيل ستبدأ العمل به العام المقبل فبإمكان لبنان ان يطلب وقف الاعمال. كما بإمكان لبنان الاستفادة من الحقل 72 الذي فتح بابه للتراخيص وبشكل كامل تقريباً.