النكد السياسي يؤخر قانون الإنتخاب وليس الخلاف على شكله ودوائره
التيار العوني يتحفّظ على عدوان في التحاور باسم الثنائي المسيحي ويقترح استبداله بالوزير الرياشي
يبدو أن ما يؤخر انتاج قانون جديد للانتخابات ليس الخلاف على جنس ملائكته، او تقسيم دوائره أو التفتيش عن تأمين التمثيل الصحيح لهذه الطائفة او تلك، بل ما يؤخر ذلك هو تعامل بعض القوى السياسية مع هذا الاستحقاق بنوع من الكيدية والنكد السياسي إن لم نقل الثأر السياسي، وهذا النوع من التعاطي السياسي مع هكذا نوع من الاستحقاقات المهمة التي ترسم معالم المرحلة السياسية لا يخرج منه اي طرف رابح بل الجميع يخسر والخاسر الأكبر بالطبع يكون الشعب اللبناني الذي يجد نفسه عالقاً بين سندان التجاذبات السياسية والوضع المعيشي والاجتماعي المتردي.
فعلى الرغم مما شهدته الساحة الداخلية من ضخ لموجات التفاؤل بإمكانية الوصول الى قانون جديد للانتخابات نتيجة حركة المشاورات واللقاءات التي جرت في اليومين الماضيين، فإن الافق ما زال مقفلاً امام ولادة هذا القانون، وكأن كل ما قيل بهذا الخصوص كان أقرب الى السراب ومجرد امنيات وتكهنات لا اكثر ولا أقل، ونتيجة لتلاطم موجات التفاؤل على صخر المواقف الحادة لأكثر من فريق سياسي معين فإن الخوف عاد ليتسلل الى نفوس السياسيين كما المواطنين من الوصول الى الحائط المسدود ومنه الى الفراغ القاتل.
وقد أبرزت مواقف عدد من السياسيين بالأمس هذه المخاوف، وقد خرج من استمع إلى هذه المواقف بانطباع مفاده بأن الامور في ما خص قانون الانتخاب عادت الى نقطة الصفر، وأنه بات والوضع على هذا النحو من الصعب الوصول الى تفاهم حول قانون جديد في وقت قريب، وقد زاد الطين بلة في هذا السياق ما جاء على لسان وزير الخارجية جبران باسيل الذي تمسك بالتأهيلي حتى إيجاد البديل، بعد ان كانت مختلف المواقف قد أجمعت على ان هذا الطرح قد طوي وأن البحث يتركز على النسبية الكاملة وعدد الدوائر، وقد اعتبرت مراجع سياسية هذا الكلام بأنه عودة بالأمور إلى الخلف ولا يُساعد على الإطلاق في ابتداع الحلول لقانون الانتخاب.
وقد عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي بشكل غير مباشر عن هذه المناخات غير المريحة التي تحيط بقانون الانتخابات من خلال صومه عن الكلام بهذا الخصوص بعد أن قدم كل ما لديه تسهيلاً للاتفاق على هذا القانون ولم يجد من يلاقيه في منتصف الطريق، أو يتفاعل مع طرحه إيجاباً، بل وجد أن كل فريق سياسي معني يُصرّ على التمترس وراء موقفه ورفضه تقديم أي تنازلات، أو طروحات مقبولة.
وفي هذا المجال تؤكد أوساط سياسية متابعة للحراك الحاصل حول قانون الانتخاب بأن الأمور عادت إلى المدار الضبابي، وأن المرحلة مقفلة امام إمكانية الوصول إلى تفاهمات حيث أن البعض يريد ان يأخذ كل شيء ولا يريد في المقابل إعطاء شيء، وهذا الوضع يُعزّز منسوب التشاؤم لا بل يعدم أي فرصة ممكنة للحلول.
وفي رأي هذه الأوساط ان الوضع على مستوى قانون الانتخاب بات يتطلب مبادرة فوق العادة وهذا النوع من المبادرات مفقود حالياً قياساً للمسافات المتباعدة بن القوى السياسية المعنية، وهو ما يفتح الباب امام الكثير من التحليلات والاجتهادات حول ما سيكون عليه الحال إذا وصلنا إلى التاسع عشر من حزيران من دون قانون جديد للانتخابات خصوصاً وأن الجميع قد تنكّر للتمديد وتبرأ من «الستين».
وتكشف الأوساط السياسية عن تحفظ «برتقالي» سجل في الساعات الماضية على استمرار النائب جورج عدوان بالتحاور باسم الثنائي المسيحي، وأن «التيار الوطني الحر» طرح اسم وزير الإعلام ملحم رياشي ليكون بديلاً عن عدوان في عملية التفاوض، غير ان هذا الطلب ترك إلى مزيد من الاتصالات والمشاورات بعيداً عن الانفعالية، سيما وأن «القوات اللبنانية» لم تجد ما يُبرّر هذا التحفظ، وقد يكون هذا الموضوع السبب الرئيس الذي استدعى لقاء الدكتور سمير جعجع في معراب ليل أمس مع النائب إبراهيم كنعان بحضور الوزير الرياشي، وإن كان البعض من الطرفين وضع هذا الاجتماع في خانة التنسيق عشية انعقاد مجلس الوزراء وكذلك لتنقية الشوائب التي ظهرت في العلاقة بين الطرفين حول موضوع الكهرباء والتي باتت تنذر بحصول مضاعفات خطيرة تضر بهذه العلاقة وتهدد ورقة النيّات الموقّعة من الفريقين.
وتقول الأوساط السياسية على الدور الذي يلعبه الرئيس سعد الحريري من خلال حراكه المتواصل الرامي إلى التخفيف من حدة التوتر الموجودة على أكثر من جهة، وهو وإن لم يوفق حتى هذه اللحظة في تحقيق هذا الهدف، فإنه على ما يبدو سيكرر محاولاته لأنه لا يرى في اقفال الأبواب مصلحة لأي فريق بل إن الخاسر الأكبر سيكون لبنان.