IMLebanon

المفاوضات مع إيران معلقة بين اللانجاح واللافشل

على رغم أهمية موعد 24 الشهر الجاري في المفاوضات النووية بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بـ5+1، الأرجح أن لا انهيار آتٍ على هذه المفاوضات ولا تتويج لها بالاتفاقية المنشودة مع حلول ذلك التاريخ. للفشل في الاتفاق بين إيران والدول الست تداعياته وللنجاح إفرازاته وكذلك الأمر لحالة اللافشل واللانجاح. والكلام عن التداعيات والإفرازات لا ينحصر بالعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا بالتطوير النووي الإيراني فحسب، ولا بالاقتصاد الإيراني ومستقبله فقط. فلقد تداخل مع هذه النواحي الفائقة الأهمية كل من مستقبل «داعش»، ومصير سورية والعراق واليمن ولبنان، والعلاقة الأميركية مع الدول الخليجية وبالذات المملكة العربية السعودية. إسرائيل ترى أن المسألة النووية الإيرانية وجودية بالنسبة لها ولن ترضى بأي اتفاق يغض النظر عن اقتناء إيران قدرات نووية عسكرية. وبما أن العلاقة الثنائية مع الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو متوترة، قد تدق إسرائيل مرة أخرى طبول العمليات العسكرية ضد المفاعل النووي الإيراني لمنعها من التصنيع النووي العسكري. فما الآتي في 24 الشهر الجاري؟ ماذا لو فشلت المفاوضات النووية مع إيران؟

يرجح الخبراء في المفاوضات النووية الدقيقة والمعقدة أن يفشل المفاوضون في التوصل إلى الاتفاقية الدائمة التي سعوا إليها منذ بدء الاتفاق في جنيف على مفاوضات مكثفة قبل حوالى سنة. يرجحون أن يتم تمديد الموعد المحدد لأربعة أشهر أخرى – علماً أن ذلك سيكون التمديد الثاني. يتوقعون إعلان اتفاقٍ ما، لربما على إطار اتفاقية وليس على الاتفاقية نفسها، في 24 الشهر الجاري. يقرّون أنه ليس في الإمكان التمديد تلو الآخر لأن إيران لم توقف برنامجها النووي أثناء المفاوضات، بالتالي، تخشى بعض الأطراف أن تتحول عملية المفاوضات إلى غطاء الأمر الواقع للتطوّر النووي في إيران.

إذا وقعت مفاجأة الاتفاق في الأيام العشرة المقبلة وتتوّجت المفاوضات بالاتفاقية الدائمة، ستكون كاثرين آشتون أسعد الناس، فمنسقة السياسات الخارجية الأوروبية عقدت العزم على بذل قصارى جهدها لتحقيق هذا الإنجاز ليكون شهادة تاريخية لها تقترن بتركتها وسيرتها. فكاثرين آشتون وباراك أوباما يريدان أكثر ما يريدان قلب الصفحة مع إيران. لا يريدان العلاقة التهادنية مع حكم الملالي في طهران فحسب، بل إنهما يريدان تحقيق نقلة نوعية في العلاقة الغربية – الإيرانية.

فالفجوة بين القيادة الإيرانية على مستوى مرشد الجمهورية وبين القيادة الأميركية ما زالت واسعة جداً. طهران تريد الاحتفاظ بالأدوات التي تمكّنها من أن تصبح دولة نووية، وإذا قبلت بتجميد القدرات فإنها لا تبدو جاهزة للتخلي عن الأدوات. والأدوات لا تقتصر على نسبة تخصيب اليورانيوم المختلف عليها، إنما تشمل الصواريخ التي تصر طهران على استثنائها من المفاوضات النووية والتي تصرّ الولايات المتحدة على شملها.

الرئيس أوباما حاول في رسالته هذا الأسبوع إلى مرشد الجمهورية أن يُبرز أمامه أهمية الفرصة التاريخية المتاحة في 24 هذا الشهر، وهو، ضمناً، كان يعني الموعد الأخير قبل سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب – الأمر الذي يقلّص المساحة المتاحة أمامه. لكن أوباما لا يستطيع أن يقدم للمرشد علي خامنئي ما يريده ولن يتمكن من تمرير اتفاقية تضع إيران على «بعد برغي» من تصنيع القنبلة النووية. لا الشعب الأميركي يسمح له بذلك، ولا الكونغرس الجمهوري مستعد للتصديق على مثل تلك الاتفاقية.

لا أحد يستثني الخيار العسكري. الولايات المتحدة لم تعلن سحب ذلك الخيار عن الطاولة. على رغم أنها تودّ جداً استبعاده واقعياً كي لا تتورّط في حروب. لا يمكن الولايات المتحدة التصديق على إيران كقوة نووية، أولاً، لأن إسرائيل تعتبر ذلك تهديداً وجودياً لها، وثانياً، لأن إيران النووية تفتح الباب على سباق نووي في المنطقة. فلقد بات جليّاً أنه في حال التصديق على إيران نووية، ستفعّل دول خليجية أدوات امتلاكها القنبلة النووية – والعنوان في باكستان وغيرها.

هذا لا يعني أبداً أنه في حال اللااتفاق ستُقرع طبول الحرب تلقائياً. فالولايات المتحدة تستعمل أدوات العقوبات الاقتصادية لتقليم أظافر إيران، وهي تعلم أن طهران تفاوض نووياً من أجل إنقاذ حكم الملالي داخلياً لأن الوضع الاقتصادي رديء للغاية.

ثم إن طموحات إيران النووية ومشاريعها الإقليمية مُكلفة جداً ولن تستطيع المضي بها، عملياً، إذا بقي الخناق الاقتصادي قائماً عبر العقوبات المفروضة وربما عقوبات آتية، كما عبر انخفاض أسعار النفط الموجّه ضد إيران وروسيا معها. الكونغرس الجمهوري سيصعِّب كثيراً على باراك أوباما أي رفع للعقوبات بصورة غير تدريجية – الأمر الذي تريده طهران لأنها في حاجة إلى الأموال فوراً. سيصر الكونغرس على التدرّج في رفع العقوبات في حال التوصل إلى اتفاق. وسيصر على المزيد من العقوبات في حال الفشل في الاتفاق. وهنا تماماً تكمن قوة الكونغرس في الملف الإيراني. فأهم العقوبات التي تريد إيران التخلص منها تم فرضها بموجب قانون «داماتو» الذي يتطلب قراراً من الكونغرس لإبطاله.

الجمهوريون في الكونغرس يريدون أيضاً من إدارة أوباما ألّا تمضي في غض النظر عن أدوار إيران في العراق واليمن وسورية ولبنان وهم يرون أن حاجة إيران لرفع العقوبات عنها بموجب المفاوضات النووية توفّر فرصة قيّمة لطرح التوسّع الإيراني الاقليمي على طاولة المفاوضات.

سورياً، حيث يريد الرئيس أوباما الاكتفاء بـ «عزل» «داعش» مقارنة بعزمه على هزيمته في العراق، ليس واضحاً ماذا ستكون آفاق مواقف الكونغرس الجمهوري نحو ما يبدو أنه يُصنع مرحلياً وانتقالياً في سورية. اليوم تدب حركة مبعثرة تزعم إحياء الديبلوماسية للتوصل إلى حلول سياسية تنطلق من الدعوة إلى الإقرار بأن لا مناص من تحالف الأمر الواقع مع الجيش النظامي والقبول ببقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة من أجل «عزل» ثم «هزيمة» «داعش» وأخواته.

طهران وموسكو جعلتا من مكافحة الإرهاب أداة من أدوات إقناع واشنطن أيضاً بأنها هي الأولوية في سورية وأن لا مناص من الشراكة مع بشار الأسد لتحقيق غايات منع نمو الإرهابيين وتصديرهم. توسّع الغارات الأميركية إلى داخل سورية ضد «داعش» يخدم الأسد بالتأكيد وأيضاً يخدم روسيا وإيران لكنه ليس بلا مغامرة ولا هو خالٍ من غايات كامنة تخشاها موسكو وطهران معاً. لذلك، كلاهما يدرس خياراته ويعيد النظر. موسكو تتحدث عن استضافة مؤتمر للمعارضة السورية هدفه إبراز المعارضة الداخلية بهدف القضاء على «الائتلاف» في الخارج وإضعاف «الجيش السوري الحر» في الداخل وطهران توافقها.

ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا الذي خلف الأخضر الإبراهيمي، يتجوّل في المنطقة ويزور دمشق وهو يحمل مبادرة «رقعة وترقيع» ويرتكب خطأً تلو الآخر. فهو بدأ مواقفه العلنية عندما نصب نفسه متحدثاً باسم التحالف الدولي ليركز على الدعوة إلى محاربة «داعش» كأولوية حاسمة ولم يأتِ على ذكر البراميل المتفجرة وقصف القوات النظامية القرى السورية.

مصادر موثوق بها نقلت عن مقربين من الرئيس السوري قولهم: «أعطانا أكثر مما توقعنا»، إذ إنه وافق على التحدث عن الإرهاب فقط عندما اجتمع للمرة الأولى بالأسد، وهناك «طوى ستيفان دي ميستورا صفحة الأخضر الإبراهيمي». والمقصود أن الإبراهيمي لمّح أمام الأسد إلى أن العملية السياسية الانتقالية التي أقرها بيان «جنيف – 1» تعني عملياً تسليم مهام السلطة إلى هيئة ذات صلاحيات كاملة، أما دي ميستورا فإنه حصر حديثه مع الأسد في مكافحة الإرهاب فقط.

أضافت المصادر أن دي ميستورا كان يعلّق على كل ما قاله الرئيس السوري بتعبير «معك حق» وكان ينفّذ ما تم إفهامه به، وهو أنه من الممنوع التحدث عن مستقبل الرئيس السوري.

إلى جانب غياب البراميل المتفجرة عن خطابه، حرص دي ميستورا على إشراك إيران بصورة منهجية في أية حلول في سورية منذ البداية. إنه لا يملك خطة ولا مبادرة وهو يكتفي بفكرة «التجميد» في حلب التي ذهب بها إلى الحكومة السورية، وبالطبع شجعتها وهي تدرك أن المعارضة السورية المعتدلة لن تتمكن من الموافقة عليها بلا شروط وقف البراميل والغارات. هكذا، استُخدم دي ميستورا أداة لتحميل المعارضة السورية مسؤولية الرفض، إضافة إلى تقنينه أساساً في خانة معالجة الإرهاب أولاً، وهو شرط الحكومة منذ البداية والذي حاول الإبراهيمي معالجته بالموازاة مع الحل السياسي، ولاقى الرفض. فالنظام في دمشق، بدعم من طهران وموسكو، لن يوافق على التنحي جانباً، مرحلياً أو انتقالياً أو أبداً.

كأمر واقع، ارتبطت المفاوضات النووية بالتطورات الإقليمية مثل مكافحة «داعش» والقضاء عليه ضمن تحالف يشمل السعودية والإمارات يجبر الولايات المتحدة على أخذه في الحساب عند التفاوض مع إيران. تداخل «داعش» في المسيرة الطويلة في سورية أو في فسحة الأمل الضيقة في العراق ليس مستقلاً عن الأدوار الإيرانية في البلدين. لذلك، لم تعد المفاوضات النووية نووية واقتصادية حصراً بغض النظر عمّا إذا تم التوصل إلى صفقة كبرى أو إلى حافة الانهيار.