من حق دول الشرق الاوسط ان تراقب عن كثب تطورات المعركة الرئاسية الاميركية، لا بل يمكن الى حدٍ كبير تفهّم المساهمة التي تقوم بها بعض الدول لمصلحة هذا المرشح او ذاك. فالهمس يدور حول مساعدات مالية تقدّمها بعض الدول الخليجية لمصلحة حملة دونالد ترامب، وكذلك الضغط الذي يمارسه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، لتحشيد الصوت اليهودي خلف ترامب، في مقابل سعي السلطات الايرانية للتأثير على الايرانيين ـ الاميركيين، والذين يتمركزون عند الساحل الغربي الاميركي لمصلحة جو بايدن. وكذلك، فإنّ الخطوات الايرانية، خصوصاً في العراق، تنسجم مع هذا العنوان.
الثابت انّ الظروف نضجت، أو تكاد، في الشرق الاوسط لإعادة رسم خريطة نفوذ جيو سياسية جديدة، ستطبع المنطقة لعقود عدة. ومنطقة الشرق الاوسط، التي تزخر بالثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط والغاز البحري، اضافة الى ما تختزنه ايران من ثروات ومواد اولية، تبدو عامل اغراء، خصوصاً بعد الضربة القاسية التي تلقاها الاقتصاد العالمي اثر جائحة كورونا، التي انهكت اقتصاد الدول الكبرى، وفي الوقت نفسه زادت من حال التفكك والتمزق في أوضاع بلدان الشرق الاوسط.
تكفي الاشارة مثلاً الى انّ عملاق الصناعة الجوية الاميركية شركة «بوينغ»، لم تستطع بيع طائرة واحدة طوال الاشهر الماضية، لا بل انّ بعض الدول تراجعت الشهر الماضي عن طلبات لشراء 51 طائرة، بسبب انهيار الحركة الجوية العالمية. ولم يكن وضع شركة «ايرباص» الاوروبية افضل، اذ انّها لم تسجّل هي ايضاً اي طلب لشراء طائرة جديدة. وهذا ما دفع بشركة «بوينغ» الاميركية الى تسريح عشرات آلاف العمال، فيما تتجّه شركة «ايرباص» لخطوة مماثلة.
في الواقع، الاشهر المقبلة ستكون اكثر صعوبة، حتى ولو ربح الديموقراطيون معركة الرئاسة الاميركية، ذلك انّهم لا يريدون الظهور في موقع المتساهل، وهو ما اتهمتهم به ادارة ترامب الجمهورية. وفي حال فوز الديموقراطيين، فإنّ التأثيرات ستصيب اسرائيل سريعاً. فالنزاع السياسي الداخلي الحاد يؤشر الى انّ اسرائيل ذاهبة خلال الاشهر المقبلة الى انتخابات رابعة، ويتوقع المراقبون ان يكون موعدها في آذار المقبل.
والمهم هنا، انّ خسارة ترامب في حال حصلت، ستشكّل مصيبة حقيقية لنتنياهو، الذي يسجّل تراجعاً كبيراً لحزبه منذ انتصاره في الانتخابات الاخيرة، وهو ما يعني احتمال سقوطه لمصلحة حزب «يمينا» بزعامة نفتالي بينت.
اما اذا ربح ترامب، فسيندفع نتنياهو الى الانتخابات بحماسة، ساعياً لاستثمار نجاح صديقه في الساحة الاسرائيلية. ولا شك في أنّ الديموقراطيين في حال فوزهم سينحازون لفكرة اقصاء نتنياهو، الذي وجّه ضربة للرئيس الاميركي السابق باراك اوباما عند نهاية ولايته.
وفي المقابل، سيندفع فريق بايدن، في حال دخوله البيت الابيض في اتجاه تحضير مسرح التفاوض مع ايران. لكن، وخلافاً لاعتقاد كثيرين، فهو لن يذهب مبتسماً ودوداً، بل معه عصا العقوبات، لدحض الصورة التي طبعه بها ترامب.
لكن ايران بدورها، وعلى رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي باتت تعيشها، قد تذهب الى تأخير موعد التفاوض الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الايرانية، والمقررة في حزيران 2021، والتي بات من المرجح ان يفوز فيها مرشح جناح المحافظين، بعد التراجع الكبير في حضور الاصلاحيين، بسبب فشل رهانهم على مشروع الانفتاح بعد إقرار الاتفاق النووي.
ويبدو انّ المؤسسات المعنية في الولايات المتحدة الاميركية باشرت في تحضير ملفات التفاوض مع ايران، طالما انّ هذا البند هو ما سيباشر به اي من الفائزين، ولو أن لكل رئيس طريقته.
صحيح أنّ المفاوضات ستلحظ حدود نفوذ ايران في الشرق الاوسط، وايجاد حل لموضوع الصواريخ البالستية، لكن ثمة ملفاً اضافياً له علاقة بالحضور الايراني في القارة الاميركية الجنوبية، والعلاقة القوية مع فنزويلا.
الاوساط الاميركية تتحدث عن مساعدة فنزويلا لإيران في الالتفاف على العقوبات، من خلال تبادل شحنات الذهب مقابل ناقلات النفط التي وصلت الى كاراكاس. لا بل اكثر، فإنّ هذه الاوساط تتحدث عن سعي ايران لتعميم تجربتها في الشرق الاوسط على اميركا الجنوبية، من خلال انشاء ميليشيات موازية تشبه «الحشد الشعبي».
ويقول منسق وزارة الخارجية لشؤون مكافحة الارهاب السفير ناثان سيلز، انّ ايران تستعين بـ«حزب الله» في هذه المهمة.
وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد حذّرت من تقليل الاهمية للتهديد الايراني المتزايد في القارة الاميركية، من خلال العلاقة مع كوبا وفنزويلا، بمساعدة من نيكاراغوا وبوليفيا والاكوادور.
لكن اسرائيل سارعت لتقديم نفسها بأنّها قادرة على الضغط على ايران، من خلال خاصرتها الرخوة، والمقصود هنا الصراع الصعب في ناغورنو كاراباخ، والذي انفجر فجأة ومن دون سابق مقدّمات.
فالمعلوم، انّ ايران تضمّ في تركيبتها الاقلية الاذرية، وهي ثاني اكبر مجموعة عرقية في البلاد.
ويتمركز الاذريون في المناطق الشمالية – الغربية المتاخمة لأذربيجان، حيث نفّذوا تظاهرات عدة مطالبين بدعم اذربيجان في حربها في كاراباخ.
وسُجّل خلال الاسابيع الماضية عودة الحرارة الامنية الى العلاقات الاسرائيلية – التركية، بمبادرة من رئيس الموساد يوسي كوهين وفي اطار تنسيق الدعم لأذربيجان.
وتكشف اوساط ديبلوماسية، عن اجتماع سيُعقد في جنيف قريباً بين احد مساعدي نتنياهو وهو Joseph Ciechanover وهو الذي كان ساهم في حل ازمة الهجوم الاسرائيلي على الباخرة التركية مرماريس عام 2015، ومبعوث اردوغان السفير السابق لدى اسرائيل FERIDUN SINIRLIOGLU ومنذ اندلاع معارك كاراباخ قامت 4 طائرات على الاقل من طراز «اليوشن ايل 76»، تابعة لشركة الطيران الاذربيجانية، بنقل اسلحة من قاعدة «عوفدا» جنوب اسرائيل الى باكو.
وفي اذربيجان انشأت اسرائيل مركز تنصّت ومراقبة سرياً موجّهاً ضدّ الداخل الايراني. وشكّل التقاطع الاسرائيلي – التركي مناسبة لإعادة تنشيط علاقتها التي كانت بدأت في العام 1957 وبشكل سري، ولكن وثيق، وتطورت اكثر لاحقاً برعاية اميركية – بريطانية، وهما تقاطعا سابقاً ايضاً ضد نظام حافظ الاسد، حيث انشأت اسرائيل مركز تنصت في تركيا لهذه الغاية.
لكن مع وصول اردوغان الى السلطة، نفّذت انقرة انعطافة بطيئة، فقلّصت علاقتها مع الغرب في مقابل تعزيزها مع قطر و»حماس» و»الاخوان المسلمين». وجاءت حرب ناغورنو كاراباخ لتعيد احياء هذه العلاقة.
الواضح انّ المحور الاسرائيلي اخذ في توسيع نفوذه لتثبيته، قبل فتح خرائط المنطقة، وتركيز خارطة جيوسياسية جديدة في وجه المحور الايراني، الذي يستعد بدوره للمفاوضات القادمة مع واشنطن. واسرائيل تتحضر قريباً لتدشين خط بحري لتصدير البضائع الاسرائيلية الى الامارات عبر ميناء بور سعيد المصري، ومنه الى ميناءي ابو ظبي وجبل علي في دبي.
وستصل قريباً اول سفينة شحن بحرينية الى ميناء حيفا، بعدما انطلقت من ميناء خليفة بن سلمان في البحرين. وهذا يحدث حتماً على حساب دور مرفأ بيروت المدمّر.
وبالامس، بدأت الجلسة الاولى لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل حيث ثروة الغاز البحري، وسط صراع داخلي بين اهل الصف الواحد، وهي بدت اشبه بالمفاوضات في المياه العكرة. مع الاشارة الى ما قاله رئيس دائرة الابحاث في شعبة الاستخبارات الاسرائيلية (أمان)، بأنّه يجب الحذر، لأنّ الاحداث التي حفل بها لبنان والضغوط الاقتصادية، جعلت مكانة السيد حسن نصر الله تتراجع ، وهذا يمكن ان يجعله يرتكب الاخطاء، وفق ما قال درور شالوم لصحيفة «يديعوت احرونوت».
المشكلة انّ الفترة الفاصلة عن شهر حزيران المقبل هي فترة طويلة نسبياً بالنسبة للبنان، الذي دخل مرحلة خطرة من الانهيار الاقتصادي والمالي، ما يجعله بحاجة للاوكسيجين الذي قدّمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.