في بلد تغرق منظومته الحاكمة في خلافاتها بحثا عن دور يبقي اطرافها في مواقعهم، لا عجب ان يكثر الضحايا المقدمة على مذبحها، من سياسة واقتصاد ومال واعمال وامن، وحتى امور الحياة البدائية، فيصبح بذلك «الكابيتول كونترول « من دون جدوى تحكمه المصالح الشعبوية الانتخابية، لاستحقاق هو بذاته اضحى لزوم ما لا يلزم، لشعب «ربته» دولته على «الشحادة»، وان كان من صندوق نقد «يضرب رئيسو راسو بالحيط» مئة مرة يوميا كلما سمع تقارير مفاوضات فريقه مع الجانب اللبناني.
فحفلة «بيع السمك في البحر» التي يمارسها حكام لبنان بدهاء، تبدو واضحة في «لتّ وعجن» تصاريحهم ومسرحياتهم، التي في حقيقتها تعكس واقعاً مغايراً بالكامل للحقيقة، إذ يكفي التمعّن في مسار المفاوضات مع صندوق النقد ليتبين العجز عن تأمين ما يضمن وقف الانهيارات المتتالية في الكثير من القطاعات الهامة، بمجرد ان المتحكم بقرار انقاذ البلاد والعباد «سلطة النيترات وكارتيل المحروقات»، على رئيسها «نجيب» عاجز عن الوفاء بأي من الإلتزامات التي قطعها لألف اعتبار واعتبار، أولّها اختلاف وجهات النظر حول الحلول بين أطراف المحاصصة الحاكمة.
مصادر رافقت حركة المشاورات والمحادثات مع صندوق النقد، وعمليات «الشد والقد» التي سجلتها منذ حكومة حسان دياب الى اليوم، اشارت الى ان «وقت الجد» استحق، وان العالم الذي صبر سنتين بات مستعجلا الحسم، بعد ان قدم كل التسهيلات الممكنة واعطى فترات سماح، متكلا على الوعود بانجاز اصلاحات ما لبثت ان تلاشت الى حدود تقديم خطة اصلاحية على الاقل دون جدوى، وعليه فان زيارة بعثة الصندوق هذه المرة، والمهلة المعطاة لها،هي حاسمة لجهة تقديم براهين حسية على الرغبة في احداث تقدم، والا فان المفاوضات ستعلق الى ما بعد نهاية العهد.
ووضعت المصادر خطوة رئيس الحكومة الاستعراضية امام المجلس النيابي تحت هذا العنوان، اذ ان سياسته واستراتيجيته في ادارة الملف الاقتصادي اصطدمت بعقبة اساسية، تتمثل بعدم قناعة اطراف سياسية اساسية بخطوة اللجوء الى صندوق النقد الدولي كخيار انقاذي، بعدما سدت كل المنافذ امام الحكومة للحصول على المساعدات، فلا اوروبا قادرة حاليا في ظل الحرب الروسية – الاوكرانية، ولا دول الخليج مستعدة للدفع مع الخلافات المستجدة معها والتي تراوح مكانها.
لذلك والكلام للمصادر، يرى رئيس الحكومة انه بعد اتفاق القوى السياسية المختلفة على تأجيل اقرار الموازنة لما بعد الانتخابات النيابية، وفي ظل عجزه عن تمرير خطة النهوض الاقتصادي التي تصطدم برفض قاطع من قبل رئاسة الجمهورية، لم يعد امامه من ورقة للعبها على طاولة المفاوضات سوى مشروع «الكابيتال كونترول» وفقا لصيغة تراعي متطلبات الصندوق، والا فان اعلان تعليق المفاوضات يعني عمليا فشلها، وبالتالي فشل المشروع الميقاتي بالكامل.
وختمت المصادر بان «الطرابلسي المحنك» اخطأ يوم قبِل بترؤس الحكومة، معتبرا انه قادر على ادارة الدفة عبر استراتيجية تدوير الزوايا التي اشتهر بها، كما فعل عام 2005 و2011، الا انه لم يراعِ عاملا اساسيا يتمثل بنهاية العهد، حيث يخوض طرفاه في بعبدا وعين التينة ومن خلفهما حرب حياة او موت، لا ينفع فيها الوقوف «بالنص»، منطلقا من مبدأ ان من يضع خطة التعافي ويدير المفاوضات مع صندوق النقد ويوقع الاتفاق، سيكون حكما رئيس حكومة العهد الجديد، وهنا بيت قصيد «فقدان رئيس الحكومة لاعصابه» والذي عبّر عنه بضرورة الدعوة الى جلسة عامة لمناقشة الحكومة وطرح الثقة بها «اذا مش بكرا البعدو اكيد»، عله «ينفد بريشه» بعدما خسر المقعد النيابي وربما الكتلة قريبا.
عليه،»تي تي متل ما رحتي متل ما جيتي»… «إيد لقدّام وإيد لورا»… فكّر «يشيل الزير من البير»… خلاصة واحدة شاهدة على ما اقترفت أيدي رئيسٍ فرنسي، من جريمة ذات يوم، بحقّ شعب أراد يوماً أن يثور ليغيّر واقعه قبل أن يقع في خديعة «ماكرونية»، لن يرحم مواطنو بلاده صاحبها قبل إخراجه من قصره … وحزيران قد يكون لناظره قريباً… كما دعوات اللبنانيين «المشحّرين»…