اتفاق إطار قريباً.. والنهائي بعد رزمة الإصلاحات
ليس سراً أن رحلة التفاوض مع فريق صندوق النقد الدولي متعبة وشاقة، وهي حتى هذه اللحظة لم تصل بعد إلى مرحلة يمكن معها القول بأن ما تقدمه الحكومة اللبنانية لهذا الفريق يرضيه أو يلبي مطالبه التي يعتبرها حجر أساس لتوقيع أي اتفاق يتضمن آليات مساعدة لبنان، ومن أبرز هذه المطالب إقرار قانون الكابيتال كونترول، وضع خطة التعافي الاقتصادي، إقرار الموازنة العامة، قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وقد بات جلياً أن فريق الصندوق الذي يقلل من الكلام ويحتفظ لنفسه بالردود اللبنانية على مطالبه بعيداً عن الضوضاء الإعلامي، غير أن الجهات التي يلتقي بها هذا الفريق ما تزال مواقفها متفاوتة حيال النقاط التي تُطرح، لا بل إن هذه المواقف في بعض جوانبها تأتي متضاربة خصوصاً لجهة توزيع الخسائر، وهذا الأمر شكل «نقزة» لدى فريق صندوق النقد الذي ليس في وارد تقديم أي شيء للبنان بـ«بلاش»، بمعنى في حال لم يتجاوب لبنان مع المطالب التي حددها الصندوق للبدء بمساعدته وإن على مراحل فإنه سيضطر إلى توقيف عملية التفاوض كونه ليس في الوارد استمرار التفاوض الى ما لا نهاية، لا سيما وأن المناخات التي تحصل فيها المفاوضات لم تبعث على الارتياح بالمطلق، مع الأخذ بعين الاعتبار المرحلة الفاصلة عن موعد إجراء الانتخابات، وهي مساحة ستكون ضائعة نظراً لإنشغالات المسؤولين في لبنان بهذا الاستحقاق الانتخابي.
سفراء الدول الكبرى يحثون الحكومة على الإيفاء بالالتزامات للحصول على المساعدات
وإذا كان البعض من المطّلعين على مسار هذه المفاوضات يرى إمكانية التوقيع الأولي مع الصندوق هذا الأسبوع أي قبل مغادرة فريق الصندوق لبنان، غير أن ما يُسمع من أعضاء الفريق الدولي يُؤكّد بأن الصندوق يُصرّ على ضرورة أن تلتزم الحكومة اللبنانية بشروطه، وهو ما لم يتلمَّسه بشكل جدي بعد واقتصار ذلك على مجرد الوعود.
ولإظهار جدية الحكومة في التعامل مع الشروط التي يضعها صندوق النقد كمقدمة لإبرام اتفاق مع لبنان بعث الرئيس نجيب ميقاتي بإشارات واضحة إلى الصندوق لناحية مضي الحكومة اللبنانية في القيام بكل ما يلزم بغية تلبية رغبات الصندوق من خلال تأكيده في الاجتماع الرابع لإطار الاصلاح والتعافي الذي انعقد في القطاع العام لتوحيد الرؤية الواحدة والشاملة للإنماء والتعافي والإصلاح بين المعنيين، وقد شارفنا على الانتهاء من توحيد الرؤية لتطبيق الإصلاحات الواجبة». ويفهم من كلام الرئيس ميقاتي بأن الحكومة جادة إلى أبعد الحدود في التماهي مع مطالب الصندوق بغية الحصول على الدعم المالي المطلوب لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته التي تستفحل يوماً بعد يوم والتي وصلت الى مرحلة لم يعد في مقدور لا الدولة ولا الشعب تحملها.
لكن، ما يُعزّز الاعتقاد بأن الاتفاق غير ممكن في نسخته النهائية بين الحكومة والصندوق في غضون أسابيع قليلة وأن الأمر سيمتد إلى ما بعد الانتخابات النيابية، هو الخلاف القوي الذي ما زال يحكم العلاقة بين الحكومة والهيئات الاقتصادية حيث أنه في كل عملية تفاوض يظهر مدى عمق الشرخ الموجود بينهما في ما خص من يتحمل مسؤولية الانهيار المالي، حيث أن هذه الهيئات أبلغت الصندوق بأن من تحمل المسؤولية هي الدولة والمصرف المركزي، في حين أن الحكومة ما تزال تبرىء ذمتها من هذا الأمر، وهذا الأمر ما زال يشكل حجر أساس في العوائق التي ما تزال تفرمل اندفاعة صندوق النقد في توقيع الاتفاق مع الحكومة.
وفي رأي مصادر عليمة بأن المعوقات التي يعلن عنها بشأن التأخير الحاصل في توقيع الاتفاق مع الصندوق ليست هي وحدها وإن كانت أساسية وجوهرية، ولكن هناك اعتبارات كثيرة،منها ما هو داخلي يسببه الانقسام السياسي القائم، إضافة إلى الخلاف القوي الموجود بين الحكومة والهيئات الاقتصادية في ما خص من هو المسؤول عن الانهيار، وهناك عوامل خارجية تتعلق بالضغوط التي تمارسها بعض الدول على لبنان.
وبما أن لكل يوم ملائكته وشياطينه، فإن عملية المفاوضات تأخذ شكل المدِّ والجذر، ولم يحصل أي تقدُّم جوهري على رغم مرور أسبوعين على وجود بعثة الصندوق في لبنان، ولكن من غير المستبعد وحفاظاً على ماء الوجه أن يُصار إلى توقيع اتفاق إطار، وهو نوع من الالتزام فقط، كون أن الموازنة لم تقرّ، ولم يُصادق على مشروع الكاببتال كونترول.
وتلفت المصادر إلى أن الخلاف الأساسي ليس بين لبنان والصندوق، بقدر ما هو بين اللبنانيين أنفسهم، وقد تجلى ذلك من خلال ما نُسب الى نائب رئيس الحكومة حول إفلاس الدولة ومصرف لبنان، والرد الذي أتاه من رئيس الحكومة والمصرف، ناهيك عن وجود خلاف بين فريق ر رئيس الجمهورية وفريق رئيس الحكومة في ما خص عملية المفاوضات.
وفي رأي المصادر بأن الطريق الى الاتفاق ما تزال غير سالكة، وأن الخطورة تكمن في إضاعة المزيد من الوقت، وقد أعرب سفراء الدول الكبرى عن هذه المخاوف، وهم يعملون الآن على دقع رئيس الحكومة للتسريع في توقيع الاتفاق والعمل على حل المواضيع العالقة مع رئيس الجمهورية للتمكُّن من إنجاز الاتفاق في وقت قريب.