لم يتوقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كثيراً عند محاولة رئيس الجمهورية ميشال عون، أن تكون له الكلمة الفصل في تشكيل الوفد الرسمي الذي سيتفاوض مع صندوق النقد الدولي، حرصاً منه على ضرورة أن يستكمل لبنان كل المطلوب منه، بهدف البدء بهذه المفاوضات في أسرع وقت، لأن وضع البلد لا يتحمل المزيد من الخسائر على مختلف الأصعدة، ولا بد من وضع الأمور على السكة قبل أي شيئ آخر. وعلى هذا الأساس من المتوقع أن تنطلق المفاوضات في وقت قريب، كما علمت «اللواء» من أوساط وزارية، لكنها ستكون بالتأكيد مفاوضات صعبة وشاقة، في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان. باعتبار أن الدول المانحة لن تبادر إلى تقديم الدعم إلى لبنان، إلا وفق رؤية صندوق النقد وما يقترحه من برنامج، نتيجة ما سيقوم به لبنان من خطوات إصلاحية في المرحلة المقبلة.
وتشير الأوساط إلى أن ما يجعل العبء كبيراً على لبنان، ويضع الحكومة أمام تحديات بالغة الصعوبة، أن الأجواء على صعيد العلاقات اللبنانية مع بعض الدول العربية لا تزال ملبدة بالغيوم، وهذا ما يصعب مهمة الحكومة، رغم استعداد دول أخرى لتقديم المساعدة، كما هي الحال مع مصر والأردن، اللتين يعول عليهما لبنان، لتقديم الدعم والمساهمة في إعادة وصل ما انقطع مع الدول الخليجية، كاشفة أن هناك اتصالات تقوم بها القاهرة وعمان، على هذا الصعيد، انطلاقاً من الحرص على إنقاذ لبنان لإخراجه من مأزقه. وهذا ما سمعه المسؤولون اللبنانيون من رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة الذي أبدى كل استعداد لتقديم الأردن ما يحتاجه لبنان من مساعدات، سيما على صعيد الطاقة والكهرباء.
وفي موازاة انطلاقة العجلة الحكومية لمعالجة الملفات الضاغطة، فإن استحقاق الانتخابات النيابية قد اقتحم بقوة المشهد الداخلي، حيث يتوقع أن يشكل مادة سجالية جديدة بين القوى السياسية في المرحلة، مع اشتداد الكباش بشأن انتخاب المغتربين الذي يعارضه «حزب الله» وعدد من حلفائه، فيما تتمسك به المكونات الأخرى، وتحديداً المسيحية منها. وعلت «اللواء» في هذا الإطار، أن السفيرة الفرنسية آن غريو، نقلت إلى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي التقته قبل أيام، حرص بلاده على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وبضرورة مشاركة المغتربين في هذا الاستحقاق، في رد واضح على محاولات بعض الأطراف ابعادهم عن المشاركة في العملية الانتخابية.
وما يثير القلق بشأن استمرار إغلاق الأبواب السعودية أمام المسؤولين اللبنانيين، عدم الإشارة إلى الملف اللبناني في الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهذا مؤشر سلبي، برأي مصادر سياسية معارضة، يعكس عدم رغبة الرياض بفتح الخطوط مع لبنان، وتالياً تعبير عن عدم ارتياح للحكومة الجديدة، لا بل أكثر من ذلك، يعكس عدم رغبة للتعامل معها، ما يؤشر كذلك إلى أن لا زيارة للرئيس ميقاتي في وقت قريب إلى المملكة العربية السعودية. وهذا بحد ذاته مؤشر مقلق لا يدعو للارتياح، ولا يحمل على التفاؤل بتوفير دعم مالي خليجي للحكومة التي تواجه جملة تحديات على قدر كبير من الأهمية، من بينها ملف النازحين الذي يرخي بثقله على الوضع الداخلي، في وقت لفتت على هذا الصعيد، دعوة البطريرك بشارة الراعي، اللاجئين السوريين للعودة إلى بلدهم، وهو موقف يحظى بدعم قوي من الكنيسة المارونية، ومن المكونات المسيحية واللبنانية على حد سواء.
وتشير مصادر نيابية في تكتل «لبنان القوي»، إلى أن ما قاله البطريرك الراعي في شأن النازحين، يتوافق تماماً مع موقف «التيار الوطني الحر»، وقوى سياسية أخرى، سيما وأن لبنان لم يعد قادراً ولا بأي شكل من الأشكال، على تحمل تداعيات النزوح السوري التي فاقت كل قدراته، ما يفرض على المجتمع الدولي أن يساهم مساهمة فاعلة في إعادة النازحين إلى بلدهم، وتأمين الدعم الذي يحتاجونه، هناك وليس في لبنان.
وقد أكدت مصادر روحية مسيحية، أن من أولى واجبات الحكومة، أن تعمل على وقف الانتهاك الإيراني المتمادي للسيادة اللبنانية، المتمثل بإدخال صهاريج النفط عبر المعابر غير الشرعية، وهو ما سبق ورفضه البطريرك الراعي من قصر بعبدا، وهو موقف يعبر عن رأي السواد الأعظم من اللبنانيين، بخصوص الاستباحة الإيرانية لكرامة اللبنانيين»، مشددة على أن «اللبنانيين لا يقبلون استمرار هذا الوضع في تهميش دور الدولة ومؤسساتها، لحساب أجندات خارجية تريد القضاء على ما تبقى من دولة ومؤسسات في لبنان»، محذرة في الموازاة من «المخطط الجهنمي الذي يعمل المتضررون من كشف الحقيقة في انفجار المرفأ، على تنفيذه، من خلال الحملة على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، سعياً للإطاحة به، بعدما تمكن من رسم صورة تشبيهية متكاملة للحقيقة في هذا الملف الذي سيبقى شغل اللبنانيين الشاغل حتى كشف كل الضالعين والمتورطين والمنفذين».