Site icon IMLebanon

ساحة النجمة: منطقة محظورة على المتظاهرين

لمرّتين متتاليتين قدّم «التيار الوطني الحر» نموذجا في أن ينزل عشرات الآلاف الى الشارع من دون حصول ضربة كفّ واحدة.

في الرابع من ايلول وفي الحادي عشر من تشرين الاول، توافرت المسبّبات لـ «مشكل قريب». جمهور محتقن ومتمرّد على فكرة إقصاء زعيمه عن أن يكون شريكا فاعلا في تحديد مسار الرئاسة وقانون الانتخاب والحكومة ومجلس النواب. وهو، كما الحراك المدني، يرفع المطالب نفسها، خصوصا في ملف مكافحة الفساد، لكن الكباش على الارض لم يحصل.

حَرص المنظمون، وسط فوضى الشارع، على أن يقدّموا مشهدا مغايرا. قدرة على الحشد تكبر تدريجا، والتركيز على أن الازمة ليست مع القوى الامنية أو الجيش بل مع الطبقة السياسية ورموزها.

نَجح العونيون في مقابل فشل الحراك المدني المستمرّ في تجنّب التصادم مع أصحاب البدلات المرقّطة. هؤلاء الذين عانوا، ولا يزالون، من تقصير الحكومات وفشلها وتخاذلها، أكثر بكثير من الشباب المندفع نحو تغيير النظام وصولا لإسقاطه. وهم أيضا الذين يتلقون الأوامر وينفذونها. لا يصدرونها ولا يجلسون في غرف القرار.

يقول حياديون متابعون لمشهد التصادم على الارض: منذ السادس عشر من ايلول (جولة الحوار الثانية في مجلس النواب) اختلف المشهد الأمني اختلافاً ظاهراً للعيان. يومها لم يكن حجم التظاهرة أمام فندق «لو غراي» كبيرا. بضعة شبان حاولوا تجاوز الأسلاك الشائكة، فشنّت القوى الامنية حملة ملاحقات وتوقيفات شكّلت بداية لنهج أمني جديد في التعاطي مع الارض بعدما كان ضبط النفس هو السائد. وفيما أبعد الشغب المتكرّر مجموعات كبيرة كانت قد شاركت في البدايات بالاعتصامات التي دعا اليها التحرّك، فإن ثمّة من رموز هذا التحرّك من يجاهر اليوم بـ «مباركة المشاغبين»!

في المقابل، يضيف هؤلاء، تجد القوى الأمنية نفسها، وخلفها السلطة السياسية، في مواجهة مطلوبة وضرورية ليس مع المتظاهرين بل مع المحرّضين ومثيري الشغب ومفتعلي التخريب. والملاحظ أنه بعد 22 و29 آب لم تعد وزارة الداخلية معنية بالإعلان عن أي تحقيق داخلي يحدّد المسؤوليات. حتى الوزير نهاد المشنوق يتجنّب المؤتمرات الصحافية المرتبطة بالتحرّكات على الارض بعدما تزايدت «زيارات» المعتصمين الى الصنائع رفضاً لسياسات الداخلية «القمعية» ومطالبة باستقالة الوزير. وآخر ظواهر «المواجهة الديبلوماسية» مع المتظاهرين، الطلب من رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي المقدم جوزيف مسلم عقد مؤتمر صحافي لتوضيح حدود التظاهر «نحن لسنا زعران وشبيحة. حقكم التظاهر وحقنا مكافحة الشغب».

الأهم، برأي الحياديين، أن جماعة الحراك المدني ليس هم فقط من لا يملك رؤية واضحة أو برنامج عمل للمستقبل. القوى الامنية، بلسان بعض ضباطها، ضبطت وهي «تندب» غياب القرار الحاسم والواضح. جرى تخريب ممنهج في السابق للممتلكات العامة، و «فظّع» المندسّون شغباً وتمّ غض الطرف، ثم أمكن رؤية متظاهرين لم يحملوا حتّى حجرا في المخافر والنظارات. ولا شك بأن النقاشات بين المرجعيات الامنية والسياسية تكشف قدرا من حال الضياع الذي انعكس على الأداء الامني. بكل بساطة، تخوّف كبار ضباط قوى الامن من ان يتحوّلوا كبش محرقة في «حرب شوارع» يصدف أنها تحصل في ظل فوضى ليس فقط في لبنان بل في المنطقة برمّتها!

التهم التي وجّهت الى الموقوفين أمام المحكمة العسكرية، وفق أوساط أمنية، كانت الاعتداء على عناصر قوى الامن الداخلي والتخريب عن قصد وافتعال الشغب ورمي قنابل مولوتوف. وهي تهم مرفقة بتسجيلات بالصوت والصورة. فيما لوحظ توزّعهم على أكثر من مكان: فصيلة الروشة، فصيلة راس بيروت، فصيلة الرملة البيضاء، النظارة المدنية في ثكنة الحلو، فصيلة البرج، فصيلة الجميزة. إذاً المسألة فعل وردّ فعل.

ليس هذا ما يقوله المتظاهرون. في المؤتمر الصحافي لـ «المفكرة القانونية» حول تظاهرة الخميس ما يشكّل مضبطة اتهام كاملة بالعنف والتنكيل تصلح لإسقاط حكومة وليس فقط مساءلة وزير.

في تظاهرة الثامن من تشرين الاول أثبت الحراك المدني أنه لا يزال يتمتع بسطوة الحشد، وغرف عملياته ناشطة الى حدّ الاقتراب من غرفة نوم الرئيس تمام سلام لحضّه على تحديد جلسة طارئة حول النفايات.

أما «تفريخ» الحركات داخله فلم يفقده قدرة التركيز على الاستمرار في حشر الحكومة بالزاوية وفرض نفسه شريكا مضاربا في كل فكرة تقترحها والردّ الفوري عليها، كما على تقديم جولات إضافية في إنهاك القوى الامنية.

منذ بدء جولات الحوار، حوّل متظاهرو الحراك الشعبي هدفهم من السرايا باتجاه ساحة النجمة. الهدف: الدخول الى باحة مجلس النواب. الحوار من أساسه شكّل مادة استفزاز لهم. المطلوب قرارات سريعة من جانب الحكومة والبدء بـ «شطف الدرج من فوق» ورفع الحظر عن ملفات الفساد ورموزه، وليس حلقات «رغي» في مواصفات رئيس الجمهورية وملء الوقت بجولات من النقاش العقيم.

لكن منذ اليوم الاول، تمّ التعامل السياسي ـ الامني مع مشروع الوصول الى البرلمان وكأنه بمثابة اختراق لوزارة الدفاع أو وزارة الداخلية! ملامسة حدود السرايا أمر ممكن وقد حصل فعلا، لكن الاقتراب من مجلس النواب خط أحمر يستحيل تجاوزه!

وجهة نظر المتظاهرين تقوم على الآتي: حق التظاهر في ساحة النجمة ينصّ عليه الدستور الذي يكفل حرية التعبير. وجهة نظر السلطة الامنية واضحة أكثر: تحديد أمكنة التظاهر يعود لوزارة الداخلية فقط، والاقتراب من ساحة النجمة غير وارد.

وتقدّم أوساط أمنية مقاربة لما يمكن ان ينتج من الاحتكاك المباشر بين المتظاهرين وشرطة مجلس النواب في حال تجاوز شباب الحراك المدني، وبينهم «المجموعات المشاغبة»، الأسلاك الشائكة والعوائق الاسمنتية والحديدية، ووصولهم الى مبنى البرلمان، وبالتالي فإن القوى الامنية تنفّذ قرارا سياسيا بحماية المتظاهرين وتأمين سلامتهم خوفا من ذهاب الامور نحو المحظور.

هنا، يحكى في هذا السياق عن إمكانية إطلاق شرطة المجلس الرصاص الحيّ «دفاعا» عن مقرّ الرئاسة الثانية، فيما الاشتباك مع المتظاهرين قد يؤدي الى سقوط قواعد اللعبة في الشارع. و»تنتفخ» الرواية الامنية بالاشارة الى ان كلاما قيل بحق رئيس المجلس نبيه بري أدّى الى توافد شبان الى مناطق الاعتصام في بيروت واعتدائهم على المتظاهرين، فكيف يمكن تخيّل المشهد إذا سقطت خطوط التماس التي حدّدتها القوى الامنية على مداخل مجلس النواب وتحوّلت ساحة النجمة الى «هايد بارك» للمتظاهرين؟