IMLebanon

إغتيال نيمتسوف في ميزان الربح والخسارة

لا شك في أنّ اغتيال المعارض الروسي بوريس نيمتسوف سيُشكّل محطة مفصلية في الحياة السياسية الروسية، خصوصاً أنّ هذه الجريمة تأتي في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية وتأزماً في علاقاتها مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية.

يُعتبر مقتل أحد أجرَأ معارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند أسوار الكرملين، رسالة متعدّدة الأوجه، إذ إنّ معارضي النظام سيُحاولون استغلال الاغتيال الى أقصى الحدود، فهم على الفور وجّهوا أصابع الاتهام في اتجاه بوتين انطلاقاً من اعتبارات عدة، أبرزها، أنّ بعض أطياف المعارضة كانت تُحضّر لتظاهرة عشيّة الجريمة.

وبعد ساعتين من الإطلالة الإعلامية الأخيرة لـ نيمتسوف عبر راديو «صدى موسكو»، حيث وصف سياسة بوتين في أوكرانيا بالعدوان العبثي، سقط الرجل قتيلاً على مرأى ومسمع من الكرملين وعند أسواره.

من ناحية أخرى، لا يمكن إهمال العامل الخارجي الذي سيعمل حتماً على تأجيج الصراع بين السلطة والمعارضة في روسيا، خصوصاً أنّ نيمتسوف كان على علاقة وثيقة بأركان السفارات الغربية في البلاد، وخصوصاً مع السفارة الاميركية في موسكو.

من الواضح أنّ مسيرة المعارضة أمس في شوارع العاصمة الروسية والمواقف التي أطلقت خلالها تفيد بأنّ مناوئي بوتين قد دخلوا مرحلة جديدة في حراكهم، وهذه المرحلة وفق الشعارات التي رفعت ستكون مبنيّة على تحريك عجلة المواقف التصعيدية الغربية تجاه موسكو من خلال المطالبة بضمان حرية الرأي والتعبير.

ولكنّ العقبة الأهمّ أمام المعارضة تبقى في تقليب الرأي العام الداخلي في روسيا ضد سياسات الكرملين، وهو أمر شبه مستحيل نظراً لارتفاع التأييد الشعبي لبوتين على رغم الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وعلى رغم أنّ معارضي بوتين الداخليين والخارجيين قد شبّهوه بشخصيات كثيرة اشتهرت باعتماد نهج الحديد والنار في فترات حكمها، مثل الزعيم السوفياتي جوزف ستالين وغيره، لكنّ أحداً لم ولا يستطيع وصف الرجل بالحماقة أو الغباء السياسي، لأنه أثبتَ، خلال سنوات قيادته لبلد معقّد بتركيبته العرقية والقومية والدينية والاجتماعية والجغرافية، أنّه يتحلى بذكاء كبير وبُعد في الرؤية وتحليل للأحداث وخلفياتها وتداعياتها. فقد تمكن على الأقل من إعادة دور بلاده الى مسرح السياسة العالمية، وعادت روسيا معه الى موقع القطب الدولي المناوئ للولايات المتحدة الاميركية.

وبما أنّ الرجل على هذا القدر من الدهاء السياسي فإنه حتماً لن يُقدم على اغتيال معارض له في حديقة بيته الخلفية، خصوصاً أنّ أسهم نيمتسوف السياسية والشعبية قد تراجعت كثيراً خلال الأعوام العشرة الماضية بعدما طاوَلته سلسلة من فضائح الفساد المالي، حتى أنّ اسمه قد أصبح خارج التداول في صفوف المعارضة الروسية بسبب انكفائه فترة طويلة عن العمل السياسي وتوجّهه نحو عالم الاعمال. ما يعني أنّ مقتل نيمتسوف سيدفع سيّد الكرملين ومعارضيه الى إعادة حساباتهم وفق ميزان الربح والخسارة.

مصادر سياسية روسية تؤكد أنّ مكان مقتل نيمتسوف وزمانه قد تمّ الإعداد لهما بشكل مُحكم لاستثماره لاحقاً كعنصر من عناصر الحرب الاعلامية التي تواجهها روسيا.

وتعتبر المصادر أنّ ارتكاب هذه الجريمة قبَيل المسيرات الاحتجاجية للمعارضة الروسية يُشير إلى محاولة يائسة لبعض الأوساط، بهدف إعطاء دفعة إضافية لهذه المسيرات بُغية جذب مزيد من المشاركين ولإثارة الاهتمام المضاعَف بها.

وتؤكد المصادر أنّ القيادة الروسية قد أعطت أوامر صارمة لأجهزة الأمن للكشف عن ملابسات الجريمة، وأنّ الايام القليلة المقبلة ستشهد تطوراً لافتاً في مجال التحقيق.