Site icon IMLebanon

النيو ـ طائفيزم

النيو طائفيات غير ما كانت الطائفية في الماضي. في الطائفية العادية الموروثة يمكن للطوائف أن تتعايش مع بعضها، ولو على مضض. همها الأساس ليس إلغاء الغير، بل زيادة حصصها في النظام، مالياً وسياسياً وعسكرياً، واقتصادياً بشكل عام. كان الطائفيون يمارسون فعلتهم ويخجلون منها، ولا يقرون بها إلا كأمر واقع. كانوا يقولون بإلغاء الطائفية كهدف، لكنهم يمارسونها كأمر واقع. ربما كان المثال الأعلى للنظام علمانياً، أو طائفياً تعايشياً، لكن السلوكيات على الأرض، التصرفات الواقعية غير ذلك. تناقضات بين ما يجب أن يكون وبين ما هو كائن داخل الطوائف وفي ما بينها.

أما النيو طائفية فهي رافضة للتسويات؛ هي من دون خجل أو حياء، لا تقبل بوجود المخالفين، تريد إلغاءهم. تقوم الطائفية الجديدة على الإقصاء (تطهير عرقي ومذهبي وإتني)، والإلغاء (حروب إبادة). النيو طائفية غير ممكنة عملياً دون حروب مستمرة من أجل تطهير الأرض. ربما كان يتبع تطهير الأرض رسم خرائط جديدة لحدود الدول. ينظر الطائفيون الجدد إلى أنفسهم وكأنهم دائماً على حق أو يمتلكون الحقيقة. كل من يخالفهم الرأي لا يستحق الاعتبار ولا الوجود. إبادتهم أفضل. ربما كانت مراجعهم الدولية مسرورة لذلك، إذ أن ممارسات النيوطائفيين تسهل لهذه القوى الكبرى الوصول إلى أهدافها في تفتيت المنطقة. النيو طائفيون لا يهمهم الدولة، بل سلف صالح عاش في عصور ماضية لم تعد موجودة، دولة واهنة مرفوضة، وخلافة مستحيلة. همومهم السياسية الراهنة تطغى على معرفتهم الدينية، ممارساتهم العملية تتعارض مع الممارسات التقليدية. لا يتحملون الاختلاف داخل المذهب ولا خارج المذهب. معظم ارتكاباتهم بدع دينية؛ البدعة ضلالة، الضلالة مصير أصحابها جهنم؛ يخلقون جهنما على هذه الأرض. يبثون الرعب أينما حلوا. يعتبرون أنهم يهندسون المجتمع ويعيدون تشكيله من جديد.

لهم أضداد طائفيون، ولا يعرف كل منهم أنه ينفذ البرنامج العملي لمن هم ضده في الإلغاء والإقصاء، وصولاً إلى التطهير العرقي ـ الديني والإثني. الأساس في ذلك الخوف المتبادل والرعب المشترك. يعتبر كل طرف أن الطرف الآخر لا محالة آت لتصفيته فيبدأ هو بالتصفية. فيمارس حرب الإبادة. حروب أهلية لا تهدف للغلبة وحسب، فهذا الأمر لم يعد كافياً لتهدئة وتيرة الحقد والكره والخوف من بقاء الآخر؛ والرعب من وجوده. تجب إبادة الغير ليصير الأمر مريحاً، بل مناسباً سياسياً. تتأسس السلطات المحلية الجديدة على أمراء حرب، ويصير هؤلاء هم أصحاب القرار. ليس ضرورياً أن يعرف أمراء الحرب شيئاً من الدين إلا ما هو كاف لتبرير الذبح والقتل والتدمير. ويوهموننا بأنهم يطهرون الأرض. طهرانية مغمسة بالدم.

يعرفون من الحداثة استخدام الترسانة العسكرية واستعمال وسائل الاتصالات. لكن وراء كل منهم ترسانة إيديولوجية دينية أساسها الكره والحقد، وهدفها الإلغاء والإقصاء، وواقعها الذبح والإبادة. أما الأخلاق، فهم إذا ادعوا سمّوها لديهم، فذلك لا يكون إلا لتبرير أفعالهم، وكل الأهداف تخضع لوسائل القتل والسرقة والنهب. على الخصم أن يخرج هرباً من الإبادة. وهو لا يملك شيئاً. جحافل من المهجرين الذين لا يحملون إلا الصرة فوق رؤوسهم. إفقار المجتمع وسيلة لإغنائهم. يستفيدون من تكنولوجيا الحداثة للتطبيق في إبادات يعرفونها عن تاريخ المنطقة الوسيط والقديم. سلفهم ليس الصالح المؤسس، بل أنظمة ارتكبت إبادات جماعية في مختلف المراحل التاريخية.

رأينا فاشيات في أوروبا في القرن الماضي. لكن فاشيتنا الجديدة هي فاشيات شعوب متأخرة. لا فرق بين الفاشيات إلا أن تلك شعوب متقدمة استطاعت الخروج منها، وهذه لا تعرف، ولا نعرف، إذا كانت بلادنا سوف تكون قادرة على الخروج من آثار هذه الفاشية المدمرة. الخوف على مصير هذه المجتمعات والأمة التي تتشكل منها. ستكون منطقتنا خالية من التنوع الذي عرفته تاريخياً، أي سيكون مستقبل المنطقة صعب التوقع إلا بما هو الأسوأ والأكثر ظلامية، يعيشون خارج التاريخ، لكن حقدهم يصنع المستقبل.

الطائفية التقليدية تريد التعايش. فتحدد كل منها هويتها بما هي عليه. النيو طائفيزم ترفض التعايش فتحدد هويتها بما هو عليه الآخر. لا تعرف أنها في النهاية عدة شغل عند الآخر، سواء علمت ذلك أم لم تعلمه. على كل حال تعبير «هوية» مستمد من «هو» أي من الآخر، من غير الأنا والنحن. النتيجة أن يكون عمل النيو طائفيزم حسب وتيرة تحددها برامج ومخططات الآخر لهم. في المنطقة قوى خارجية كثيرة تتصارع. لا بد وأن أطراف النيو طائفيزم تستطيع أن تختار منها من تتطوع للعمل لديه. هذا التحليل لا يعني ملامة الغير، كل ما يعنيه أن قصر النظر عند هؤلاء يؤدي بهم إلى طلب «المساعدة» من أجل الانتصار على العدو «الأقرب».