Site icon IMLebanon

أحفاد نيرون وتلامذة تيمورلنك

«حاصر حصارك لا مفر اضرب عدوك لا مفر

سقطت ذراعك فالتقطها وسقطت قربك فالتقطها

واضرب عدوك بي فأنت الآن حر وحر وحر»

محمود درويش

عن حريق روما سنة ٦٤ ميلادية يقال ان الحدث استمر لستة أيام وتسبب بدمار واسع النطاق في عاصمة العالم في تلك الأيام حيث كان يقدر عدد سكانها بنحو مليون نسمة.

نسب الحريق إلى الإمبراطور نيرون الغريب الأطباع بحجة أنّه أراد تغيير معالم المدينة فقرر تدميرها لتبنى على مزاجه. والواقع هو أن معظم المراجع التاريخية لا تؤيد هذه الفرضية على أساس أن الحريق حصل بالصدفة في يوم صيفي حار، أو أنه أتى بفعل تخريب من مجموعات ناقمة.

المهم هو أن نيرون لم يعترف بفعلته ولم يفاخر بها، إن كان هو قام بها أصلاً. والمفارقة الأخرى هي أن لنيرون بالذات تاريخاً مهماً من الإنتصارات الخارجية وتمكن من حماية حدود الإمبراطورية وتوسيعها، وكان له أثر كبير على الحياة الثقافية في روما، كما أنه يعد ديبلوماسياً كبيراً في بناء المواثيق مع بعض الممالك المحيطة به، لكن كونه ينتمي إلى سلالة حكم تعد الأسوأ في الإمبراطورية الرومانية، فقد أتى من خلفه على حكم روما ليسمح بتشويه سمعة سلفه.

منذ نحو سنتين، وعندما ظهرت أولى صور مأخوذة عن طريق الاقمار الصناعية لمدينة حلب، تبين أن مساحات واسعة من الأبنية قد محيت بالكامل عن الوجود وتحولت إلى ركام. وزير خارجية بشار، الديبلوماسي العريق، قال يومها ان ما شوهد بالأقمار الصناعية ما هو إلا جزء من قرار من التنظيم المدني لاعادة بناء أحياء المدينة بشكل يتناسب مع الحداثة!.

لا بد أن العالم اقتنع يومها بهذه الحجة، كما أنه لم يحتج بالمرة على المساعدة الدولية التي قدمتها الميليشيات المذهبية المدمرة، ومن بعدها آلات الدمار الروسية لاستكمال محو آثار مدينة بحجرها وبشرها، والهدف ليس فقط إعادة رسم هندسة المدينة عمرانياً، بل الهدف هو، وبكل وضوح إبادة لفئة من سكان المدينة على الطريقة النازية. يعني قتل وحرق واغتصاب.

أما الباقي فإلى التهجير القسري حتى لا يبقى إلا الخضوع الكامل للذل والهوان، كما كان على مدى عقود خلت بعد يوم تسلل فيه الضباط الإنتهازيون إلى السلطة، وتمكن أكثرهم خبثاً من البقاء في الحكم، بعد أن سجن أو قتل أو هجر معظم رفاق الأمس.

بصراحة، لو كان بشار مثل نيرون، وعاد منتصراً بعد تحرير ولو بضعة أمتار مربعة من الجولان، لكان بعضنا تفهم، ولو أن دمار حلب وقتل أبنائها سبقه القضاء على «داعش«، لربما كان من الممكن أن يصفح البعض الآخر. لكن حلب سحقت تحت البراميل المتفجرة فيما كانت الطائرات الإسرائيلية تعربد في أجواء سوريا وتقصف وتدمر من دون أن ينطلق حتى صاروخ من الصواريخ المضادة للطائرات، ولو لرفع العتب.

وأبناء حلب استبيحت دماؤهم في الوقت الذي عادت «داعش« لتسرح وتمرح في تدمر وغير تدمر، من دون أن يطلق عليها أشاوس الميليشيات المذهبية طلقة واحدة.

اليوم سيحتفل حفيد نيرون وتلميذ تيمورلنك بسقوط حلب، وسيخرج الدجالون وزبانية الشيطان من وراء المنابر، ومن على الشاشات لإعلان النصر، وعلى الارجح للشماتة والرقص على أشلاء الضحايا. لكن نار الثورة ستبقى تحت الرماد، ويعلم الجميع من زبانية وشامتين بأن ما دفع عشرات الآلاف من السوريين إلى تفضيل الموت على الذل، هو ما سيكون طريقهم إلى النصر في مستقبل قريب، فمن تنشق هواء الحرية لن يقبل هوان الذل مرة ثانية.

(❊) عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»