IMLebanon

الربح الصافي على حطب «داعش»

حين تتعهد دمشق «الدفاع عن السيادة حتى آخر سوري في سورية»، تستفز الكارثة اليومية الممتدة فصولها منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة، سؤالاً «مريباً» عما إذا قرر النظام السوري استثناء بعض مواطنيه من جحيم الحرب، وحملات الإبادة التي تمطِر براميل متفجرات.

… وحين يعِد مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن يدعم حكومته كما ساندت طهران حكومة نوري المالكي، يثير ريبة متجددة في قدرة العبادي على كسر طوق الوصاية الإيرانية على العراق وشعبه. وبين فئاته وأحزابه وتياراته، مَن لم يرَ فأل تحوّل في نهج الحكومة التي اختار رئيسها إيران لتكون أولى إطلالاته الخارجية منها.

والعراق المنكوب بـ «داعش» وجولات عنف تحصد من السنّة والشيعة والمسيحيين آلافاً كل سنة، حين يحظى بمساندة القوة الأميركية العظمى والقوة الإيرانية التي تدّعي أنها الأُولى في المنطقة والأَوْلى برعايتها (بوصاية الهيمنة)، لا يبقى إلا أن نتفاءل بخلاص قريب لبلاد الرافدين كلُّ الوقائع تدحضه.

ترسل واشنطن مستشارين عسكريين الى بغداد، فترسل طهران «خبراء»، سيّان إن كانوا من «فيلق القدس» أو «الحرس الثوري»… وباستنتاج بسيط يتبيّن أن العراق غير الحائر أمام «لغز» العشق الأميركي- الإيراني لاستقراره وأمنه ومصالحه، بات أفضل ساحة للتعاون العسكري غير المباشر بين الولايات المتحدة وجمهورية خامنئي.

رغم ذلك، يشكك المرشد، ويرتاب بأهداف التحالف الذي تقوده أميركا، والأهم أنه لن ينسى الخدمات التي أسداها نوري المالكي دفاعاً عن حرب النظام السوري. وحين يكرر أن أمن العراق من أمن إيران، يثير مزيداً من الارتياب، بعد كل الذي حصده لبنان من غيرة نظام الوصاية السوري على أمنه. هي نسخة مكررة، وما علينا إلا أن نصدق كم يريد المرشد العراق «شامخاً قوياً».

الأهم أن خامنئي حين يرفض تحالفاً عربياً – دولياً لقتال «داعش»، لا يتذكر التسريبات الإيرانية عن عرض مقايضة على واشنطن: تسهيل الحرب على «الدولة الإسلامية» في مقابل تيسير إدارة الرئيس باراك أوباما «مرونة» غربية تحفظ لطهران ماء الوجه في مفاوضات الملف النووي، استناداً الى معادلة روحاني: «ربح صافٍ للجميع».

وإذ يعزز المرشد لدى بعض العرب اقتناعاً بأن أُولى أولويات إيران هي «تحالف اقوياء» يجمعها والأميركيين في غياب عربي، لا بد أنه يدرك وروحاني أن السياسة مثلما هي فن الممكن، لا يستقيم معها أيضاً رسم الأهداف الإقليمية الكبرى على طريقة «صفر مقاومة» للآخرين. جرّبت تركيا «صفر مشاكل» خلال عهد حكومة رجب طيب أردوغان، وانتهت الى مشاكل مضاعفة مع معظم الدول العربية ومع إيران، وإسرائيل التي كانت تتباهى بأنها انتزعت حليفاً بارزاً من العالم الإسلامي.

يجدر الاعتراف، رغم التنديد الإيراني ليل نهار بـ «الفتنة» في العالم الإسلامي التي غذت التطرف وإرهاب «داعش» وسواها، بأن أسوأ ما تواجهه المنطقة منذ أفول الاستعمار والانتدابات، هو إلباس الإرهاب رداء دينياً، ومذهبياً. وحين تتردد عبارة «إرهاب سنّي»، لا ترى طهران في سياستها إلا ما تعتبره «فخراً» لها… ولكن ما معنى وصايتها على فئات شيعية عربية ما زالت تشجعها على حمل السلاح، وتتهم الطرف الآخر بأنه هو الذي يوقد نار الفتنة؟ هل ادعت دولة عربية يوماً أنها ترفع لواء الدفاع عن عرب الأهواز، سنّة إيران؟

حطب «داعش» كيانات ودول عربية، مثلما كانت حال «القاعدة» أو الجيل الأول للإرهاب… لا إسرائيل ولا إيران ولا حتى أميركا ضحية لما يرتكبه تنظيم «الدولة الإسلامية» على أشلاء مسلمين. كل يوم يذكّرنا البنتاغون بفاتورة القصف على مواقع «داعش» والذي سيستمر فترة طويلة، لشهور على الأقل. وبالمنوال الحالي للغارات على دير الزور السورية وضواحي كوباني، وفي حال استمر القصف الجوي لسنوات، السؤال هو متى تبدأ حرب الأفكار على الإرهاب ومنابته؟ أليس التفريق بين المسلمين ورعاية بعضهم على أساس مذهبي، وقوداً لفتنة نامت مئات السنين؟

بين استبداد وإرهاب معولم، وتشويهٍ للإسلام عابرٍ للقارات، ما يعني إيران أن تبقى «قوة عظمى» في الخليج، لها مواطئ على حوض البحر المتوسط، وموطئ مستجد على البحر الأحمر، انتزعته برصاص الحوثيين.

ما يعني جمهورية أردوغان هو صدّ العاصفة الكردية من «عين العرب» الى ديار بكر، بعدما أمسكت بغضب العلويين الأتراك، بامتناعها عن الانزلاق الى الحروب المجنونة في سورية.

أما ما يعني إسرائيل في فوضى الشرق الأوسط، فهو حتماً ليس كم مسلم أو مسيحي أو علوي يسقط في عاصفة جنون الإرهاب، بعد جنون الاستبداد.