IMLebanon

نتنياهو وفزّاعة ليبرمان

في خطوة دراماتيكية صادمة، أقرب ما تكون إلى انقلاب في المشهد السياسي في الدولة العبرية، تخلى نتنياهو عن وزير دفاعه يعالون -، وبدلا من الذهاب في وحدة مع زعيم المعارضة «هرتسوغ»، فاجأ نتنياهو الجميع بالذهاب في الاتجاه المعاكس، ووضع يده بيد ليبرمان. والمفاجأة الثقيلة، أنه حتى قبل يوم من صفقة نتنياهو ليبرمان، كان نتنياهو يشرح لقادة أحزاب الائتلاف الحكومي بأنه يتحتم عليه، بشكل ضروري، ضم هرتسوغ إلى الحكومة كمُبيض ومُليّن ومدافع استعدادا للأيام الرهيبة بين الثامن من تشرين الثاني المقبل والعشرين من كانون الثاني 2017، منطقة الفراغ الفاصلة بين الانتخابات الأميركية ودخول الرئيس الجديد إلى منصبه. حيث التقدير السائد في إسرائيل هو أن اوباما، الذي سيكون محررا من رعب الناخبين، سيبادر إلى سلسلة من الخطوات السياسية القاسية على إسرائيل. أغلب المستوى السياسي في إسرائيل وقع تحت تأثير الصدمة، ورأى أن النتائج جاءت مخالفة لكل المقدمات والسياقات التي طغت على الحراك السياسي في إسرائيل في الأيام الأخيرة لضم حزب العمل إلى الحكومة الحالية وشعروا أن نتنياهو اختار طريقة وقحة بلا أخلاق من خلال بدء الحديث عن مؤتمر إقليمي للسلام بالتعاون مع هيرتسوغ، ثم الانتهاء بتعيين بلطجي الحي ليبرمان في موقع وزير الحرب.

وباعتقاد هؤلاء، فإن إقالة يعالون، وتعيين ليبرمان رسالة تهديد لغيره من الوزراء، وللمسؤولين العسكريين، الذين يتحدون حكم الرجل الواحد القيصر نتنياهو. ووفقاً لصحيفة هآرتس، فإن نتنياهو غرس سكيناً في ظهر وزير الحرب يعالون، كما في ظهر جنرالاته، لأنهم لم يتوقعوا هذه الخطوة الغادرة التي حاكها نتنياهو، فالاستراتيجية التي يعمل بها الجيش الإسرائيلي من أجل ردع العدو، والتي تسمى «الصدمة والرعب»، يبدو هي الأنسب لتوصيف الحالة التي سادت القيادة العامة للجيش بعد تعيين ليبرمان.

وبنظر «هآرتس» فإن نتنياهو كان يبحث عن رجل قوي بعصا غليظة، يزرع الخوف في قلوب الجنرالات، وقد سعى من خلال هذا التعيين إلى تقزيم وكبح الجهاز العسكري، للتقليل من تأثير الجيش وقادته على قرارات الحكومة وجعلهم يعملون وفقاً لمزاج ورغبات القيصر نتنياهو، للحفاظ على مناصبهم.

في حين يرى المراقبون، بأن الهرموني والتناغم بين قادة الجيش:يعلون، إيزنكوت، جولان، اقلق نتنياهو، الذي لا يطيق رؤية بوادر لتحالف مراكز قوى. كما أن الململة الواسعة في صفوف قادة الجيش من الطريقة التي يدير بها نتنياهو الحكومة، والتي تقضي على كل مسار سياسي للتسوية مع الفلسطينيين، وتضع الجيش تحت وطأة ضغط كبير في الضفة وغزة. دقت جرس إنذار لدى نتنياهو، سرعان ما تضاعف عقب الخطاب الذي ألقاه يعالون في مقر وزارة الأمن في تل أبيب في ذكرى الاستقلال، والذي دعا فيه ضباط الجيش إلى مواصلة التعبير عن آرائهم حتى لو لم تكن جزءاً من التيار المركزي، وتتعارض مع الأفكار والمواقف التي تتبناها القيادة السياسية. الأمر الذي رأى فيه نتنياهو دعوة صريحة للعصيان والتجرؤ عليه، ودفعت نتنياهو للتعجيل في قرار استبدال يعالون.

تعليق يعالون على تعيين ليبرمان مكانه، كان بليغا جدا حيث قال: بأنه يوجد في إسرائيل فقدان بوصلة أخلاقية، ولو توجب علي إعطاء نصيحة ثمينة، فهي السير بموجب بوصلة وليس وفقا لدوارن الريح، أو السير في طريق السجود للبقرة الذهبية !!!

العاصفة التي ضربت المستوى العسكري في إسرائيل نتيجة لقطع رأس يعلون، وتقليد ليبرمان منصب وزير الحرب خلفا له، لم تكن من فراغ، حيث يرون فيه كآخر من يصلح لإدارة وزارة مهمة جدًا كوزارة الجيش والتي تتطلب التحلي بالخبرة اللازمة، وبالوعي والاتزان والهدوء والعقلانية والمسؤولية الأمور التي يفتقدها ليبرمان -، كما أن مواقف ليبرمان الهجومية تجاه قادة الجيش، وعدم امتلاكه لأي خلفية عسكرية أو أمنية، بالإضافة إلى عدم قدرته على استيعاب الآخرين، تجعله لا يصلح ليكون على رأس الهرم العسكري في إسرائيل.

وكما هو معلوم، فالصدمة لم تقتصر على المستوى الأمني، بل سادت كل الأوساط في الدولة العبرية، لأن ليبرمان (الشخص الذي لا يتمتع حتى بموهبة تسمح له بالعمل كمحلل عسكري كما قال نتنياهو منذ أسابيع) أصبح وزيرا للدفاع، بقرار من نتنياهو. 

ثم أن مواقف وتصريحات ليبرمان الجنونية، مثل تهديده بقصف السد العالي، وتصريحه منذ أسابيع بأنه لو كان وزيراً للدفاع، لأعطى أوامره بقتل اسماعيل هنية، إذا لم يسلم جثامين الجنود خلال 48 ساعة، تجعل من ليبرمان بنظر الجمهور الإسرائيلي شخصاً يده خفيفة على الزناد، وهو أقرب ما يكون لعود ثقاب في منطقة ممتلئة بالبنزين.

أما السؤال المركزي، فهو كيف سيتصرف ليبرمان مع برميل البارود قطاع غزة ومع حركة حماس التي تسيطر عليه، وهو الذي يدعو إلى القضاء على حماس، وإلى إعادة احتلال غزة وتحويلها إلى ملعب كرة قدم. وكيف سيتعامل مع الضفة الغربية التي تغلي، ومع السلطة الفلسطينية التي ينظر لها ليبرمان كجثة سياسية، ويدعو لإنهاء الدور السياسي للرئيس محمود عباس.

فليبرمان الذي كان من شروطه للانضمام إلى الحكومة الحالية هو سن قانون الإعدام ضد الفلسطينيين، والقاضي بمنح المحاكم العسكرية الإسرائيلية صلاحية تنفيذ إعدامات بحق فلسطينيين دينوا بتنفيذ عمليات فدائية. وليبرمان الذي كان أيضا من شروطه لدخول الحكومة الإطاحة بنظام حماس، واستئناف البناء في مستوطنات القدس والضفة، من غير المعروف الآن، كيف ستكون رؤيته الأمنية للتعامل مع الملف الفلسطيني، بعد توليه فعليا لوزارة الجيش. 

غير أننا نلتقي مع مجموعة من المحلليين الذين يعتقدون أن الصورة النمطية والذهنية عن ليبرمان كقومي، ومتطرف، وعدواني، وأرعن، ليست كل الصورة، فهناك أيضا ليبرمان البرغماتي والليبرالي، والمتلوّن، والمستعد أن يفعل كل شيء من أجل مصالحه. وخير دليل على ذلك تصريح ليبرمان الشهير، بأنه ليس لديه مشكلة في إقامة دولة فلسطينية والانسحاب من غالبية المستوطنات، مقابل ضم أم الفحم وسكان وادي عارة إلى مناطق الدولة الفلسطينية. كما أنه ليس لديه مشكله حتى في تقسيم القدس والتخلي عن السيادة في الحرم . والأرجح أن ليبرمان سيسعى لأن يبدو معتدلا، في محاولة منه لتغيير الصورة النمطية عنه، والأهم من ذلك بأن قرار الحرب والسلام تتخذه الحكومة مجتمعة وليس شخصاً واحداً، إلى جانب القيادة العسكرية التي لها صوت مسموع في هذا الشأن. وكما هو معلوم فإن هناك مسافة هائلة بين أن تكون على كرسي المعارضة وبين أن تكون على كرسي وزير الحرب، حيث أنه في المعارضة بإمكانك أن تقول أي شيء وقتما تشاء، أما أن تكون في موقع المسؤولية، فهذا شيء مختلف تماما. ونتنياهو يعلم كل ذلك، وهو اراد بهذه الخطوة الماكرة الساخرة ضرب كل العصافير بحجر واحد: ضرب القادة الكبار، وضرب المبادرة الفرنسية المدعومة أميركياً من أجل عقد موتمر للسلام للبحث في حل الدولتين، وضرب خطاب السيسي بشأن التسوية السلمية، عبر تحصين نفسه داخلياً بضم ليبرمان إلى حكومة هي الأكثر تطرفاً لمواجهة الضغوط الدولية.