العرب غير مقتنعين بجدوى الاستثمار السياسي في لبنان.. وتمايز في تقويم المرشّحين
سقط الداخل في يده، فسلّم أوراقه إلى الخارج بعدما تعلثمت المبادرات الرامية إلى حوار أو تشاور يؤسّس للخروج من الحلقة الرئاسية المفرغة. المفارقة أن الأفكار ظلّت محصورة في كيفية التلاقي لا الانتخاب الرئاسي، وفي ذلك تعبير عن واقع حال أليم ومأسوي.
هكذا تجمّد الحراك الداخلي الرئاسي، باستثناء سعي التيار الوطني الحر إلى تأمين غالبية الـ٨٦ نائبا التي من شأنها أن تساعد رئيس مجلس النواب نبيه بري على الدعوة إلى الحوار الذي لا تزال القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، ترفضان المشاركة فيه.
ليس واضحا بعد إمكان نجاح التيار في تأمين تلك الغالبية، تماما كما ليس واضحا بعد ما إذا كان بري سيدعو إلى الحوار في ظل غياب قواتي- كتائبي عنه، حتى لو تأمّنت غالبية النصاب السياسي، أي الـ٨٦ نائبا.
في الموازاة، لم يتّضح بعد ما ستُبادر إليه كتلة الاعتدال الوطني المجمَّدة مبادرتها راهنا، على الرغم ممّا حظيت به من دعم مجموعة السفراء الخمسة والتفاف محلي حولها، بالطبع ما عدا حزب الله الذي لن يذهب مغمض العينين إلى أي جلسة انتخابية غير مأمونة الجانب بنتيجة تتطابق ومواصفاته لرئيس الجمهورية العتيد.
بذلك تبقى المراوحة هي الطاغية محليا، مع ترقّب إمكان أن يستأنف سفراء المجموعة الخماسية نشاطهم الجماعي المعلّق مرحليا، والمتوقّف حكما على نتيجة الاتصالات الدولية الحاصلة من أجل إنهاء الحرب في غزة، واستطرادا تطويق مفاعيل ما يحصل عند الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وإبطال فتيل الحرب الشاملة.
ويُنقل عن سفير عضو في المجموعة الخماسية استهجانه تسليم القوى السياسية بالأمر الواقع والإيغال في الاتّكال على جهود الخارج، علما أن دور أصدقاء لبنان المساعدة لتسهيل انتخاب الرئيس لا حياكة التوافقات وترشيح الأسماء، باعتبارها أمراً يخصّ اللبنانيين دون سواهم.
ولا يخفي السفير عينه وجود اختلافات بين أعضاء المجموعة الخماسية في شأن المرشحين المؤهلين لتولّي الرئاسة، كاشفا أن لكل من العواصم الخمسة مفضّلين، منهم ما هو متداول ومنهم ما لا يزال طيّ المكتوم.
وبات واضحا للعواصم المعنية أن حزب الله لن يوقف حرب الاستنزاف والإشغال ما لم تتوقّف الحرب الإسرائيلية على غزة. وقد لا يكفي الحزب حتى، انتقال الجيش الإسرائيلي إلى المرحلة الثالثة من الحرب، وهي مرحلة قد لا تتسم بالعنف المشهود بل تقوم على حرب أمنية من نوع تصفية قيادات حركة حماس.
تواجه واشنطن وباريس هذا الجمود عبر السعي إلى دمج الأفكار الأميركية للتهدئة بالورقة الفرنسية التي سبق أن وضعتها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه وسلمها إلى الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، وظلّت حبراً على ورق بفعل رفض تل أبيب الوساطة الفرنسية. وثمة خشية مشتركة من أن تذهب حكومة إسرائيل إلى المحظور، قافزة فوق التحذيرات والمخاطر التي ستنتج من أي حرب شاملة قد تتحوّل إقليمية.
وتعمل واشنطن وباريس كذلك على استدراك أي تدهور قد يعقب زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى العاصمة الأميركية في الأسبوع الأخير من تموز، حيث سيلقي خطابا في الكونغرس في ٢٤ الحالي يُتوقَّع أن يكون تصعيديا حيال إيران وحزب الله ويحمل شحنات من التوتير من أجل استقطاب قادة الكونغرس، بما يؤهله مواصلة ابتزاز الإدارة الرئاسية الأميركية.
ويزيد المشهد اللبناني تعقيدا توالي الاستحقاقات المحيطة والتي من شأنها أن تؤثر في طبيعة مساعي إنضاج التسوية الجنوبية أولا، ومن ثم الرئاسية. فانشغال إيران بانتخاباتها الرئاسية، وانهماك فرنسا باستحقاقها النيابي وطغيان أقصى اليمين على قرار الجمعية العامة، وتعثّر الإدارة الرئاسية في واشنطن المثقلة بالابتزاز الذي يمارسه نتنياهو، وبالحرب الطاحنة مع الحزب الجمهوري، والتخبط الحاصل في صفوف الديمقراطيين، كلها أحداث تلقي بثقلها لبنانيا. ويزداد التعقيد نتيجة عدم اقتناع عرب كثر في جدوى الاستثمار السياسي في الحل اللبناني، ربما بفعل نفاد الصبر وتراجع الاهتمام الفعلي والتغيّر في المقاربة والنظرة إلى دور لبنان في المرحلة المقبلة، مع طغيان حزب الله على القرار.
المستجدّ عودة التهديد الحوثي، وهو ما يجعل دولا كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تركّز اهتمامها على مكمن الخطر الحقيقي لأمنها القومي. إذ ذاك كيف يطلب من هذه الدول الانصراف عن همّها الأمني إلى شأن لبناني بات الأمل منه مفقوداً؟!