لم يستطع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تجاهل رسائل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وتهديداته، خلال كلمته في ذكرى انتصار 2006، فتوجه الى الجمهور الاسرائيلي بالقول «نحن لا نتأثر بتهديدات نصر الله». أضاف نتنياهو أن الأمين العام لحزب الله «يعلم جيداً لماذا يطلقها (التهديدات) من داخل سردابه». مع أن مضمون هذا الموقف لا يستأهل الاكتراث له، لكن صدوره على لسان شخص يتولى منصب رئاسة وزراء اسرائيل يدفع الى التساؤل عن مدى اقتناعه بما أدلى به، وما هدفه من وراء من هذا الموقف، واستكشاف ما ينطوي عليه من أبعاد.
نظرياً، كان بإمكان نتنياهو التزام الصمت وتجاهل مواقف السيد نصر الله، بدل أن يدلي بكلام يُفترض أنه يدرك أن الكثيرين في الجمهور الاسرائيلي، والعالم العربي، يعلمون أن الوقائع الدامغة تخالف مضمونه، ويلمسون في كل يوم مفاعيل مواقف حزب الله (وجاهزيته) على اسرائيل في قراراتها وخياراتها وأدائها. لكن يبدو أن قوة تأثير رسائل نصر الله حالت دون ذلك، ودفعت نتنياهو الى إطلاق هذه المواقف التي تتعارض مع ما هو متسالَم عليه في اسرائيل.
يمكن عرض قائمة طويلة من الشواهد التي تُظهر حجم تأثر اسرائيل بمواقف نصر الله، ومع أنه تمت الاشارة مراراً الى نفس هذه المحطات، ولكن إعادة تناولها في سياق آخر تنطوي على أبعاد جديدة، وهو ما ينطبق على مقارنة هذه الشواهد بادعاء نتنياهو.
أبرز مفاعيل تأثر اسرائيل بجاهزية حزب الله ورسائل أمينه العام، أنها امتنعت عن تكرار عدوانها على لبنان والمقاومة خلال 13 عاماً، رغم أنها كانت وما زالت تواصل بناء جاهزيتها لهذه المهمة طوات السنوات الماضية. في السياق نفسه، وفي محطات محددة، ارتدعت اسرائيل نتيجة رسائل الأمين العام لحزب الله، عن تنفيذ قرار توسيع نطاق «المعركة بين الحروب» الى لبنان، رغم أنها حاولت ذلك. وللتدقيق، يكفي أن نعلم أن جيش العدو كان يستهدف عمليات نقل صواريخ نوعية وكاسرة للتوازن، في الاراضي السورية (وهو أمر له سياقه الذي يفترض أنه بات مفهوماً) فيما هي متجهة الى لبنان. وعندما تتجاوز الحدود مع لبنان، كان العدو يمتنع عن استهداف «قوافل» الأسلحة، تجنباً لرد المقاومة. كل ذلك لأن اسرائيل أيقنت جدية ما توعّد به حزب الله على لسان أمينه العام بأنها ستتلقى رداً موجعاً على أي اعتداء على لبنان. ويكفي أن يُسأل الجمهور الاسرائيلي عن تصرّفه إذا ما أطلق نصر الله تهديداته باستهداف عمق الاراضي المحتلة رداً على اعتداء اسرائيلي على لبنان…
دعا أحد جنرالات إسرائيل الحكومة إلى وضع خطة للحدّ من تأثير مواقف نصر الله على خطط الجيش!
من المؤكد أن نتنياهو يعلم هذه المحطات وغيرها. ومع ذلك، تعمّد نفي أن تكون اسرائيل تتأثر بتهديدات السيد نصر الله. ويعني ذلك أن نتنياهو لم يخطئ التقدير، بل تعمد الكذب. لكن السؤال لماذا؟ الواضح أن حجم التأثير الذي تركته مواقف السيد نصر الله لم يترك خياراً أمام نتنياهو لتجاهلها. ويبدو ايضاً أنه أدرك خطورة تأثيرها على المؤسسة العسكرية، وعلى الرأي العام الاسرائيلي. وهو ما دفعه إلى هذا الموقف «الغبي»؟ للتذكير، الأمر نفسه تكرر في أعقاب مقابلة السيد نصر الله مع قناة «المنار» في 12 تموز الماضي، عندما عرض خارطة فلسطين متوعداً بتدمير البنية الاستراتيجية للكيان الاسرائيلي رداً على أي عدوان أميركي – اسرائيلي. “ومن شدة عدم تأثر نتنياهو» في حينه بمواقف السيد نصر الله، بادر أمام جلسة الحكومة وأمام الكاميرات إلى إطلاق تهديدات، متوعداً فيها بتوجيه ضربة ساحقة للبنان.
وما دامت تهديدات الأمين العام لحزب الله لا تترك أثرها على اسرائيل، فلماذا الدعوات المتكررة من قبل كبار الشخصيات والخبراء الى اغتياله؟ ولماذا التحذير المتواصل من مفاعيل خطاباته على الواقع الاسرائيلي، حتى بلغ الامر بأحد جنرالات اسرائيل (غابي سيبوني) الى دعوة الحكومة لوضع خطة مضادة تهدف الى الحد من تأثير مواقف نصر الله، لا على الرأي العام الإسرائيلي وحسب، بل أيضاً على خطط الجيش.
هل من المعقول الافتراض أن يكون نتنياهو مقتنعاً بأن نفيه سيترك أثره على نظرة حزب الله الى خيارات اسرائيل، والى قراءته لمفاعيل تهديداته في الوعي الاسرائيلي، بعد كل المحطات والمنعطفات التي شهدها الصراع؟ ان كان الامر كذلك، فهو من أقوى مؤشرات التردي، ولعله الغباء ايضاً.
في حال كان نتنياهو مقتنعاً بكلامه، فهو يعبّر عن تردّي مستوى استخباراته، وهو أمر مستبعد
المعزوفة الأخرى التي طالما وردت على ألسنة مسؤولين اسرائيليين، وتكررت الآن على لسان نتنياهو، هي أن نصر الله «يعلم جيداً لماذا يطلق تهديداته من داخل سردابه». من حقنا، بل من واجبنا، التساؤل عمّا إن كان نتنياهو فعلاً مقتنعاً بأن الأمين العام لحزب الله يعيش فعلاً في سرداب. في حال كان هذا الكلام يعبّر فعلاً عن اقتناعه، فهو يعبّر عن تردي مستوى الاستخبارات الاسرائيلية، وهو أمر مستبعد. وإن لم يكن على اقتناع بذلك، فهي محاولة لمواجهة تعاظم حضور حزب الله في وعي الجمهور الاسرائيلي، عبر محاولة تقديم اسرائيل أنها دولة يهابها الآخرون.
مع ذلك، فإن الإجراءات الأمنية التي تحكم حركة الأمين العام لحزب الله تعود الى كون استهدافه مطلباً مُلحّاً لإسرائيل واستخبارات غيرها من الدول الغربية والعربية. ويعود ذلك – من ضمن أمور متعددة – إلى قوة تأثيره في الواقع الاسرائيلي واللبناني والعربي، وفي معادلات الصراع. والسعي لاستهدافه من قبل القوى المعادية إنما يعود الى الدور الذي لعبه في مقاومة الاحتلال وحماية لبنان والدفاع عن فلسطين.