Site icon IMLebanon

هل سيغامر نتنياهو شمالاً؟

 

 

سيدخل الشرق الأوسط زمن بنيامين نتنياهو ورفاقه المتطرفين، مع ما يعنيه ذلك من تغييرات أو مغامرات محتملة، من الأراضي الفلسطينية إلى الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق فإيران.

بدأت تظهر في إسرائيل ملامح الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخها. ويبدو واضحاً الاتجاه الذي ستسلكه في التعاطي مع الملفات الصراعية، وفي مقدمها ملف الأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية وغزة، بعد اتفاق نتنياهو مع القيادي الأكثر تطرفاً دينياً و»قومياً»، إيتمار بن غفير، على تسليمه وزارة الأمن الداخلي بصلاحيات واسعة.

 

فحزب بن غفير «العظمة اليهودية» سيتولّى أيضاً الحقائب الوزارية المعنية بالنقب والجليل، وسيترأس لجنة الأمن في الكنيست. وهذا ما يوحي بأن تطورات دراماتيكية ستكون على الطريق، انطلاقاً من مواقف بن غفير الرافضة لفكرة الدولة الفلسطينية، والتي تبيح لليهود إقامة الصلاة في حرم المسجد الأقصى.

 

حتى أركان الحكومة الحالية أدركوا مخاطر تولّي بن غفير هذا الموقع الحساس وحذروا من تداعياته. أما الردّ الفلسطيني فجاء مغموراً بالقلق من تطورات خطرة ستشهدها الأراضي الفلسطينية، وتقضي على أي احتمال لتحريك المفاوضات المتوقفة بين الجانبين منذ العام 2014، علماً بأنّ الضفة الغربية تشهد منذ أشهر صدامات دموية. وقبل أيام، استهدف هجوم مزدوج محطتين للحافلات في القدس وخَلّف ضحايا.

 

إذاً، في الأشهر المقبلة، ستطرأ متغيرات جذرية على الوقائع القائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وسيقوم نتنياهو ورفاقه باستغلال المناخ الدولي والإقليمي لفرض هذه المتغيرات، بحيث تتمّ تصفية ما تبقّى من فرَص لإقامة دولة فلسطينية.

 

ستسلك حكومة اليمين واليمين المتطرف خطوات حاسمة نحو تنفيذ فكرة «الدولة اليهودية»، مع ما يعنيه ذلك من عزلٍ وربما إبعاد، حتى لفلسطينيي 1943. ومن أول المشاريع التي تنوي حكومة تنياهو إطلاقها «شبيبة التلال» التي ترمي إلى تشريع نحو 60 مستوطنة جديدة من الخليل إلى الضفة.

 

هذا الاتجاه الهجومي الذي ستعتمده حكومة نتنياهو في الداخل الفلسطيني، سيوازيه اتجاه هجومي على مستوى الشرق الأوسط ككل، لا سيما بالنسبة الى ما يتعلق بالملف الإيراني. فمن الواضح أن نتنياهو سيرفع مستوى الضغط على الإدارة الأميركية للحؤول دون أن تتوصل مع إيران إلى اتفاق حول ملفها النووي، ولمنع طهران من التوسّع في الشرق الأوسط الذي تعتبره إسرائيل ساحة لطموحاتها.

 

وحتى اليوم، على رغم استراتيجية بايدن الرامية إلى التفاهم مع طهران والانصراف إلى مواجهة روسيا والصين، فإنّ الاتفاق مع إيران لم يرَ النور، فيما تشنّ إسرائيل هجمات شبه منتظمة على مواقع إيرانية في عمق سوريا، وعلى مقربة من حدودها مع لبنان أو العراق، وهي تستهدف مواقع وشحنات أسلحة إيرانية يقول الإسرائيليون إنها ذات نوعية يمكن أن تخلّ بالتوازنات الاستراتيجية القائمة.

 

وما يعني لبنان خصوصاً هو قول الإسرائيليين إن بعضاً من هذه الأسلحة «النوعية» كان مخصّصاً تَوريده إلى لبنان، لتخزينه واستخدامه في المواجهة مع إسرائيل. ولكن، حتى اليوم، يلتزم الإسرائيليون عدم تجاوز الحدود السورية- اللبنانية وتجنّب تنفيذ عمليات مماثلة في لبنان. فهل سيبقى هذا الالتزام قائماً؟

 

مبدئياً، لا يبدو الإسرائيليون في صدد القيام بعمليات على الحدود مع لبنان تنسف التفاهمات القائمة، لا سيما القرار 1701، لأنهم يدركون مخاطر ذلك. ففي الواقع، وفي ظل الطموح المتبادل إلى التمدّد إقليمياً، بين إسرائيل وإيران، تصبح أي مغامرة إسرائيلية في الجنوب اللبناني أشبَه باللعب بالنار أمام برميل بارود. وليس في مصلحة الإسرائيليين أن يدخلوا في هذه المغامرة المدمّرة.

 

لكن السؤال الأبرز هو: كيف سيتعاطى نتنياهو مع اتفاق الترسيم الذي وقّعه لبنان مع حكومة يائير لابيد في تشرين الأول الفائت؟ وهل تنفِّذ حكومة التطرف اليميني التهديدات بنسفه، تحت عنوان أنه «مُجحف» لإسرائيل؟

 

المناخات في إسرائيل توحي بأنّ نتنياهو موافقٌ ضمناً على مضمون الاتفاق، وأنه لا يعتبره مُجحفاً للإسرائيليين، ولا يرى فيه ما يحدّ من هوامش حركتهم أمنياً. فاعتراضه على الاتفاق، في فترة الاستعداد للانتخابات التشريعية، كان مُسيَّساً وللمزايدة واجتذاب الرأي العام. وقد نجح في تحقيق هذا الهدف.

 

ولذلك، نتنياهو ليس في حاجة إلى خلق إرباكات أمنية أو سياسية، بإسقاط اتفاق يحظى بضمانة الولايات المتحدة، خصوصاً أن الإسرائيليين باشروا باستثمار الغاز من المتوسط بشكل واسع.

 

والأرجح، ليس على نتنياهو ورفاقه أن يفعلوا الكثير من الأمور لتعطيل استفادة الجانب اللبناني من الاتفاق. فالقادة اللبنانيون أنفسهم وقّعوا الاتفاق مع إسرائيل، فسَهّلوا لها الاستخراج فوراً من «كاريش» وسواه، لكنهم لم يستثمروا الصدمة الإيجابية المفترضة لمصلحة لبنان.

 

ويمكن القول اليوم إنّ موعد استفادة لبنان من موارده الغازيّة الكامنة في البحر مجهول تماماً. ويمكن لنتنياهو أن يؤخِّر هذا الموعد لسنوات، لمجرد أن تطول أو تتعطّل مفاوضاته مع شركة «توتال» حول حصة إسرائيل من حقل «قانا».

 

لذلك، ستكون حكومة نتنياهو ورفاقه المتطرفين تفجيريّة ودموية مع الفلسطينيين، إنما لن تنخرط في حرب مع إيران وحلفائها. وفي الخلاصة، هي ستنسف جذرياً قواعد الاشتباك القائمة حالياً في الشرق الأوسط.