يزور رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو موسكو اليوم للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا شكّ أنّ لتوقيت هذه الزيارة أهمية كبرى توحي بأنّ ثمّة تفاهمات عاجلة يسعى اليها نتنياهو.
تأتي زيارة نتنياهو لموسكو بعد اسابيع من زيارته السابقة لها في شباط الماضي. كذلك تأتي مباشرة بعد زيارته واشنطن حيث التقى الرئيس الاميركي دونالد ترامب وتردد انه اطلعه على خطة جديدة تهدف الى إجبار ايران على الانسحاب من سوريا، وان الرئيس الاميركي وصف افكار نتنياهو الواردة في هذه الخطة المزعومة بالحاذقة والذكية، ووعده بالبحث فيها مع الرئيس الروسي وإقناعه بها لأنّ دوره أساسي على هذا الصعيد.
وبعد زيارة نتنياهو واشنطن، نفّذت الطائرات الاسرائيلية غارة على مخزن اسلحة تابع للقوات الايرانية في حلب. واهمية الغارة أنها بعد ازمة سقوط الطائرة الروسية فوق اللاذقية في الصيف الماضي، ما تسبّب بأزمة بين روسيا واسرائيل، ثبّتت روسيا مبدأ عدم السماح للطائرات الاسرائيلية بالعمل في المناطق الواقعة شمال دمشق وصولاً الى الحدود مع تركيا، وهو ما جمّد الغارات الاسرائيلية في هذه المناطق حتى حصول غارة حلب الأخيرة.
والأهم انّ نتنياهو الغارق في حملاته الانتخابية ارتأى وجوب حصول زيارته لموسكو قبل خمسة ايام من فتح صناديق الاقتراع ما يوحي بصفة «العجلة» لمضمون المحادثات.
في المقابل يبدو بوتين راضياً عن حجم الدور الروسي الذي بات عليه في المنطقة، ولكن ليس خافياً على أحد طموحه لإستعادة حضور موسكو على الرقعة الدولية من خلال «الشرق القريب»، وهو المصطلح الروسي في التعريف عن الشرق الاوسط.
عين بوتين على الامساك بخيوط اكثر تصل الى ليبيا. وفي الوقت نفسه يريد استثمارات خليجية لضخ الروح في الاقتصاد الروسي المتعثر والمرهق. ويشمل ذلك زيادة اهتمام قادة دول الخليج بشراء السلاح الروسي.
والرئيس الروسي بات واثقاً من أنّ مفتاح قوته في المنطقة نابع من تدخّله في سوريا. فهذا اكسبه احترام العواصم الخليجية وأجبرها على الالتفات اليه على رغم المعارضة الشرسة في البداية. ولا داعي لتعداد زيارات المسؤولين الخليجيين الكبار لموسكو وكانت في طليعتها الزيارة الاولى لملك سعودي الى روسيا.
فالدول الخليجية باتت تحمل مقاربة جديدة للمعادلة السورية، تقول ان المفتاح الوحيد لمواجهة ايران وحصر نفوذها الكبير في المنطقة هو عبر التفاهم مع الرئيسين الروسي والسوري على حد سواء.
ومن هنا باشرت هذه الدول خطوة اعادة فتح سفاراتها في دمشق قبل ان تعود واشنطن وتفرمل هذا المسار الجديد رابطة اياه بانجاز التسوية السياسية.
ومن هذه الزاوية أيضاً يمكن قراءة زيارة الرئيس السوري الاخيرة لطهران والتي حظيت بسرية مطلقة الى حين حدوثها وحملت رسالة تقول إنّ الطريق بين دمشق وطهران هي الأقرب.
وتلا ذلك البدء بانجاز خطوات تنفيذية على صعيد الحضور الايراني في مرفأ اللاذقية وهو ما أثار القيادة الروسية التي لا تريد منافسة او شراكة على طول الساحل السوري. ومن هنا قرأ البعض في السماح الروسي بقصف حلب رسالة اعتراض على الحضور الايراني البحري.
ولا تقتصر أهمية لقاء بوتين ونتنياهو على هذه النقاط فقط، فالمنطقة باشرت لتوها الدخول في مرحلة المتغيرات الكبرى. ذلك انه بعد الانتخابات الاسرائيلية والتي باتت شبه محسومة لمصلحة نتنياهو واحزاب اليمين مع تركيز الحسابات على تأمين ائتلاف حكومي ملائم لنتنياهو، يتجه الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الكشف عن «صفقة القرن» وهو ما يُلزم تأمين مساعدة روسية في بعض جوانبها.
ففي غزة يسعى الجيش الاسرائيلي لفصل حركة «حماس» عن حركة «الجهاد الاسلامي» وتوجيه ضربة للبنية التحتية للأخيرة، وهو ما باشر الاعلام الاسرائيلي التمهيد له عبر اشاعة اجواء أنّ «الجهاد الاسلامي» تخطط لعملية ضد مناطق اسرائيلية.
والمعلوم انّ حركة «الجهاد» على علاقة وثيقة بإيران فيما لحركة «حماس» هامش لا بأس به. وفي الوقت عينه يستكمل الجيش الاميركي نشر منظومة صواريخ «تاد» البالستية لحماية الاجواء الاسرائيلية. ويتم ذلك في اطار تدريبات هي الاولى من نوعها.
ويأتي ذلك في وقت باشرت اسرائيل التمهيد لضم الضفة الغربية الى سلطتها. نتنياهو قال بكثير من الوقاحة خلال احتفاله بقرار الادارة الاميركية الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان: «هنالك مبدأ مهم جداً في العلاقات الدولية. عندما تستولي على اراضٍ في حرب دفاعية ولا يطالب اصحابها بها، فهي اصبحت ملكاً لك».
«الوقاحة» الاسرائيلية تتضمن ادانة عربية للاهمال والخنوع والرضوخ في سياستها. نفتالي بينيت اليميني المتطرف تحدث في الاطار نفسه، كذلك نقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية عن مسؤول كبير الافكار عينها.
التبدلات الهائلة الحاصلة في «الشرق القريب» تترافق مع تشديد الخناق حول رقبة اقتصاد ايران، اضافة الى دخول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في منعطف يقوده الى مسار انحداري. فالسلاح الاقتصادي أثمر ايضاً على حزب «العدالة والتنمية» الذي خسر المدن الكبرى في الانتخابات البلدية وفي طليعتها بلديتا عاصمتي تركيا الادارية أنقرة والمالية اسطنبول.
قبلها كان اردوغان رمى بثقله في الحملات الانتخابية معتبراً انّ نتائج هذه الانتخابات مسألة حياة أو موت «نكون او لا نكون». صحيح ان ليس لهذه الانتخابات تأثير مباشر على تركيبة السلطة، لكن المدن الاساسية تمثل الركائز الاساسية لقوة السلطة السياسية.
يحصل هذا في وقت شكلت تركيا وما تزال متنفّساً لا بأس به للاقتصاد الايراني، وفي ظل واقع يشهد تآكلاً بطيئاً، إنما مضطرداً، للعلاقات الاميركية – التركية بعد سبعة عقود من التحالف الوثيق.
أشهر صعبة تنتظر المنطقة قبل انفراج يتوقعه البعض نهاية الصيف المقبل.