كيف ولماذا أصبح بنيامين نتنياهو ومعه إسرائيل يستطيع أن يرفض أي عرض من أي جهة أتى، سواء من موسكو أو واشنطن، لا يتوافق مع ما يريده وما يراه مناسباً مهما كان مغرياً؟
في الأساس، كان نتنياهو يريد انسحاب القوات الايرانية وكامل القوى الرديفة، اي “حزب الله” والميليشيات الشيعية العراقية والافغانية والباكستانية أربعين كيلومتراً عن حدود الجولان، وعندما كاد يتحقّق مطلبه وتقبل موسكو بذلك، مدّ المسافة الى ثمانين كيلومتراً، وأخيراً عندما عرض عليه وفد روسي أوفده الرئيس فلاديمير بوتين الى تل ابيب، يضمّ وزير الخارجية سيرغي لافروف وقائد الأركان الروسي الجنرال فاليري غيرامسوف، انسحاب القوى الايرانية وكل العاملين معها مائة كيلومتر، رفض نتنياهو العرض وقد سرّب انه قال: “كل تلة تسيطر عليها إيران وحزب الله ستتحول الى حفرة” .
التصعيد الاسرائيلي الجديد في الاعتراض حتى على “الفرقة الرابعة” من الجيش السوري التابعة للعميد ماهر الاسد، لانها تضم قوات إيرانية ومن “حزب الله” ترتدي الزِّي العسكري السوري. نتنياهو أبلغ بوتين أن الايرانيين يريدون تحويل سوريا الى لبنان آخر، وهو لن يسمح بذلك. لذلك يريد اتفاقاً خطياً بعد انسحاب ايران والحزب مماثلاً للاتفاق في جنوب لبنان… مقابل هذا يبقى بشار الاسد ونظامه لانه كما قال نتنياهو من موسكو :”لا يُعتبر مصدر قلق لنا… وليس لدينا مشكلة مع نظام الاسد فهو لم يطلق رصاصة واحدة طوال أربعين عاماً”. اضافة الى كل ذلك يريد نتنياهو “الحفاظ على حرية العمل ضد من يعمل ضدنا”… في الواقع ما يريده نتنياهو في سوريا يتجاوز الاتفاق في لبنان، حيث انه لا يملك حرية العمل في لبنان سوى التحليق في أجوائه خارج اي اتفاق.
بنيامين نتنياهو قوي لان اليمين الاسرائيلي بكل اجنحته لم يكن يوماً بهذه القوة كما هو حالياً، حيث يكاد يدير اسرائيل بقوة لان المجتمع الاسرائيلي أصبح بمجمله يمينياً ومتصلّباً. القانون العنصري حول قومية اسرائيل يؤكد ذلك. تجذّر اليمين في المجتمع الاسرائيلي يعود الى جملة عوامل ابرزها برأي الخبراء:
- التغيير الديموغرافي الواسع والعميق الذي حصل أساساً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و”تسونامي” الهجرة الروسية التي ضمت اليمين الشرس الذي يُعدّ ليبرمان احد رموزه المتطرفين، والذي حصل على معظم أصواتهم مما مكّنه من فرض نفسه وزيراً للدفاع، لا يتوانى عن الإقدام على اي عمل عسكري تماماً كما فعل قبل عشر سنوات، عندما لاحق أثناء حملته الانتخابية طفلاً فلسطينياً حتى داخل منزله ليضربه بقسوة ثم يعضّه بقوة.
الى جانب المهاجرين الروس، تضخّم دور المهاجرين اليهود الشرقيين بانضمامهم الى اليمين المتطرف بحجة ان اليسار أهملهم منذ تأسيس الكيان الاسرائيلي. وزيادة في “الطين بلة”، انضم رافد المتديّنين ليشكّل جميع هؤلاء حوالي ٨٠ ٪ من المستوطنين الذين يجدون بقاءهم في المستوطنات وتوسيعها محمياً ومدعوماً من اليمين المتطرّف…
- رواج نظرية عدم وجود شريك فلسطيني للسلام وهذه النظرية بدأت مع إيهود باراك، وتطوّرت مع إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية خصوصاً بعد ان انفصلت “حماس” في غزة عن الضفة الغربية. وإذا كان الحديث يطول عن ضعف السلطة الفلسطينية وأسبابه فإن المهم ان الفلسطينيين يقفون وحدهم في وجه اسرائيل التي هي اليوم في قمة قوتها.
- ان اسرائيل التي كانت تُعتبر بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة الاميركية “حاملة طائرات” برّية تتلقّى بسبب ذلك الدعم المالي والعسكري والسياسي خصوصاً الدولي، تحرّرت مؤخراً من أحادية التحالف والارتهان له، فأصبحت الآن حليفة لروسيا وشريكة لها في سوريا. وبهذا اصبحت قادرة ومتمكّنة من اللعب على الحبلين الاميركي والروسي، وتجيير نتائج هذا “اللعب” لمصالحها وتصليب مواقفها.
- يبقى ان اسوأ ما حصل ويحصل في زمن التصلب والتشدد الاسرائيلي واستقوائه على الجميع، ان القوى العربية مجتمعة ضعيفة الى درجة يصحّ معها السؤال: هل وصلت الى الحضيض؟ او ان الانهيار ما زال أمامه الكثير من التدحرج؟ يكفي ان اسرائيل تؤكد ان اعادة تشكيل الجيشين السوري والعراقي تتطلب سنوات ضوئية (على الرغم من المبالغة، الا ان تفكُّك الجيشين هائل وإعادة تشكيلهما تتطلب سنوات، والاخطر ان ازالة الاحقاد مهمة تتطلّب جهوداً خارقة) .
مواجهة هذا التحوّل الخطير تتطلب الكثير من الشجاعة والجهود وقراءة تجارب دول وشعوب وجيوش نهضت من قعر الهزيمة، واستعادت قواها واحترام الآخرين… فهل يمكن ذلك؟