نتائج الانتخابات الإسرائيلية تشكّل نوعاً من الخيبة للرئيسين الأميركي والروسي اللذين قدّما لبنيامين نتانياهو دعماً سياسياً وغير سياسي، بهدف تكريسه زعيماً في بلده ورئيس وزراء قادراً على اتخاذ قرارات صعبة.
قدّم دونالد ترامب اعترافاً بالقدس عاصمة لإسرائيل وتأكيداً أميركياً على ضم الجولان السوري المحتل إلى الدولة العبرية، فيما قدّم فلاديمير بوتين تنسيقاً مع نتانياهو حول الوضع السوري المعقّد الذي تشغل فيه موسكو موقعاً مؤثراً لكونها منقذة النظام وداعمته الرئيسية، وأحدث تقديمات بوتين تسليمه إسرائيل بقايا الجندي زخاري باومل الذي قُتل أثناء غزو لبنان.
واشنطن وموسكو تدركان أن سلاماً عربياً- إسرائيلياً، وبالتحديد سلاماً فلسطينياً- إسرائيلياً كامل الأوصاف، لن يكون إلاّ بوجود نتانياهو زعيماً قادراً على نيل موافقة المتطرّفين الدينيين الذين يتكاثرون في إسرائيل ويصبغون اليمين بلونهم الأسود إذا كان السواد لوناً. وها هو بيني واتس قائد حزب «أزرق أبيض» يوازي نتانياهو في عدد المقاعد البرلمانية التي حصدها وينافسه في الترشّح لرئاسة الوزراء أو يكون شريكه في حكومة ائتلافية صعبة الولادة أو معارضه القويّ في البرلمان القادر على عرقلة قراراته، خصوصاً تلك المتعلقة في «صفقة القرن» أو أي سلام نهائي يطوي القضية الفلسطينية، مفتتحاً مرحلة جديدة في الشرق الأوسط قائمة على التعاون في وجه إيران، وربما في وجه تركيا أو حتى الصين، بما يرضي الولايات المتحدة وبعض أوروبا ويسمح لإسرائيل بحضور فاعل في بيئتها الجغرافية.
كان مطلوباً من نتانياهو أن ينفّذ ما هو أبعد من عقد مناحيم بيغن السلام مع مصر، فالمرحلة تتعدى علاقة باردة بين دولتين إلى حيوية تطاول المنطقة برمّتها، ولا تخلو من صراعات على المصالح بين قواها الكبرى التي تعتبر إسرائيل واحدة منها ولن تستطيع إلغاء غيرها في المديين المتوسط والبعيد. ونتانياهو الغاضب من نتائج الانتخابات ربما يشعر ضمناً بالرضى لأنه سينجو من تجربة السلام الصعبة ويحتفظ لنفسه وإسرائيل بهدايا واشنطن وموسكو التي أصبحت بلا مقابل بعد تقدّم منافسه فانتس الشريك أو المعارض الشرس.
وإذ يعرض نتانياهو نفسه أمام العالم زعيماً تاريخياً لإسرائيل، يبدو في الحقيقة مجرّد متطرّف يميني لا يهتم بسوى يهودية الدولة معتمداً سياسة المزيد من إضعاف الخصوم أو الأعداء بدل السلام الدائم معهم. مثل هذا الرجل يخاف المصالحة مع الآخر لأنه في تكوينه العاطفي والسياسي يعرف أن المصالحة في النهاية نقيض التطرّف وهي اعتراف بالآخر شريكاً وجاراً وأخاً في الإطار الإنساني، وفي ذلك إلغاءً للعصبية الدينية العمياء التي يؤمن بها اليمين الإسرائيلي وتشكّل جوهر وجوده.
مرة جديدة تؤكد إسرائيل خوفها من السلام واعتبارها إياه خطراً على وجودها، وهذا يفسّر تراجع العلمانيين والليبراليين وتقدّم اليمين الديني المتطرّف. هذا الخوف يستدعي مثيله لدى الطرف الآخر حيث تتحول البيئات الفلسطينية والعربية المجاورة حقلاً خصباً للمتطرفين الذين أساؤوا إلى أوطانهم أكثر مما أساءت إسرائيل.
لن تتألف لجنة تحقيق في تدخّل أميركي وروسي في إنجاح نتانياهو لأن الرجل وصل إلى حافة النجاح ولم يستطع إكمال المهمة. وستكون المحاولتان الأميركية والروسية هما الأخيرتان في البحث عن زعيم تاريخي جديد لإسرائيل قادر على عقد اتفاق سلام دائم مع محيطها العربي، وإن تطلّب ذلك حرباً تجبره على السلام مثل حرب 1973. هذه الأفكار تخصّ الماضي، أما حاضر إسرائيل فهو نكوص مجتمعها إلى مزيد من التطرف الديني سيؤدي على الأرجح إلى انفصالها الموضوعي عن يهود العالم، وقد بدأ بعضهم، خصوصاً في الولايات المتحدة، يشعر بهذا الانفصال وبأن اليمين الإسرائيلي الحاكم يشكّل في الدرجة الأولى خطراً عليه أكثر من خطورته على أعداء إسرائيل المفترضين.