Site icon IMLebanon

مأساة فتح واشنطن أبوابها لنتانياهو

 

 

يذهب بنيامين نتانياهو إلى واشنطن حيث بات الرئيس جو بايدن جزءا من الماضي. سيستفيد من أمرين. أولهما أن أبواب العاصمة الأميركية، بما في ذلك أبواب الكونغرس بمجلسيه، ستكون مفتوحة أمامه على مصراعيها والآخر أنّ أسهم مرشحه للرئاسة دونالد ترامب في صعود مستمر أثر قرار بايدن بالتنحي. إنها بالفعل مأساة كبيرة في غياب أي طرف أميركي يستطيع وضع حدّ للوحشية الإسرائيلية.

 

سيستفيد «بيبي» أيضا من خيارات «حماس» بعدما دخلت حرب غزّة شهرها العاشر. لا خيار آخر لدى الحركة التي شنت هجوم «طوفان الأقصى»، في ضوء غياب مشروع سياسي قابل للحياة ومن دون تفكير في اليوم التالي لهذا الهجوم، سوى السعي إلى وقف لإطلاق النار. لا بدّ من وقف للنار من أجل وقف مأساة إنسانيّة قبل أي شيء آخر. كل الحكماء العرب يسعون إلى ذلك… لكن ليس بشروط «حماس» التي ترفض استيعاب أنّ «طوفان الأقصى» تسبب بزوال غزّة من الوجود. كذلك، يرفض الحكماء العرب الرضوخ لإسرائيل التي وجدت في «طوفان الأقصى» فرصة للتخلص من غزة من جهة ومتابعة حملة الإستيطان في الضفة الغربيّة من جهة أخرى. تفعل إسرائيل ذلك من دون أي طرح عملي لما ستكون عليه الأمور في مرحلة ما بعد وقف حرب غزّة… هذا إذا توقفت هذه الحرب يوما في المدى القريب، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركيّة في الخامس من تشرين الثاني – نوفمبر المقبل.

 

تريد «حماس» وقفا للنار بشروطها. صحيح أنّ الحركة قدمت أخيرا تنازلين كبيرين أولهما التخلي عن شرط الوقف «الدائم» لإطلاق النار وثانيهما عدم الإصرار على الانسحاب الإسرائيلي من «كاملّ» غزة، لكن الصحيح أيضا أنه يبدو جليّا أنّ لا خيار آخر لدى «بيبي» نتنياهو سوى متابعة الحرب. هناك رئيس للحكومة في إسرائيل يريد متابعة الحرب من دون امتلاك مشروع سياسي لليوم التالي لوقف هذه الحرب.

 

ثمة تلاق بين «حماس» المتمسكة بشروطها، على الرغم من أنها صارت شروطا مخفّفة، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الذي ربط مصيره السياسي باستمرار الحرب الوحشية التي يشنها على الشعب الفلسطيني من دون استيعاب لواقع متمثل في أنّ ليس في الإمكان تصفية القضيّة الفلسطينيّة. مثل هذه التصفية مستحيلة، لا لشيء سوى لأنّ هذه القضيّة قضية شعب موجود على أرض فلسطين وليس في الإمكان التخلص منه مهما مرّ الزمن. سيظلّ الشعب الفلسطيني يقاوم بوجود «حماس» أو من دون وجودها كون لديه حقوقه المشروعة التي لا يمكن إنكار وجودها.

 

وضعت «حماس» نصب عينيها مشروعا سياسيا مستحيلا قائما على شعارات وهميّة من النوع الذي يرفعه عادة الإخوان المسلمون، التي هي جزء منهم. كذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يعتمد على اليمين المتطرف ممثلا بالوزيرين بإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش للبقاء في موقعه. يرفض «بيبي» الخروج من موقع رئيس الوزراء بأي ثمن كان خشية دخوله السجن في ضوء الإتهامات بالفساد الموجهة إليه. تبدو النتيجة المنطقيّة لهذا الواقع أن حرب غزّة مرشحة للإستمرار طويلا بعدما تبيّن أن هناك مشروعين أولهما حمساوي وآخر يميني إسرائيلي لا يمكن إيجاد أي نقطة إلتقاء بينهما، باستثناء إطالة الحرب.

 

من يربط نفسه، كما فعل «حزب الله» في لبنان بحرب غزّة، إنما يربط نفسه بالمجهول وبحرب طويلة ستكون ذات نتائج كارثيّة على لبنان. دخل الحزب حرب غزّة من بوابة فتح جبهة جنوب لبنان بناء على طلب إيراني. هل يدرك الحزب أنّ لا فارق لدى «الجمهوريّة الإسلاميّة» في إيران إذا بقي لبنان أو لم يبق… إذا حصل تهجير لأهل الجنوب وإذا لم يحصل مثل هذا التهجير بشكل كامل؟

 

مع إحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يزداد تمسّك رئيس الحكومة الإسرائيلية باستمرار حرب غزّة. لم يعد لدى إدارة جو بايدن ما تطرحه من أجل وقف الحرب. لم يعد لديها ما تضغط به على إسرائيل من أجل التوقف عن وحشيتها. تبدو المنطقة مقبلة على مزيد من التصعيد في غياب من يضبط حرب غزّة ومن يضبط الحروب التي تشنها إيران على هامش حرب غزّة.

 

تكمن خطورة الأشهر الفاصلة عن الانتخابات الأميركية وتسلم الرئيس الجديد – القديم مهماته وانتقاله إلى البيت الأبيض مطلع السنة المقبلة، في غياب القيادة أميركيّة. يستطيع «بيبي» أن يفعل ما يشاء وتستطيع إيران أن تفعل بدورها ما تشاء. ستزداد وحشيّة إسرائيل في غزة. ظهر ذلك في الأيام القليلة الماضية عندما عاودت مهاجمة أهداف مدنيّة وإرتكاب مجازر معظم ضحاياها من النساء والعجائز والأطفال. في الوقت ذاته تمارس إيران التصعيد على كلّ الجبهات التي فتحتها، أكان ذلك في لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن. من المهمّ جدا بالنسبة إلى إيران أن تثبت للإدارة الأميركيّة أنّها قادرة على الإمساك بأوراقها الإقليميّة أكثر من أي وقت… خصوصا في المرحلة الفاصلة عن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض!