Site icon IMLebanon

قلق نتانياهو يبدّده بقاء الأسد!

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العسكريين في ثكنة «فورت ماير» يوم 22 آب (أغسطس) الماضي، بإعلان بقاء القوات الأميركية في أفغانستان. لكنه في الوقت ذاته اعترف بأنه تخلى عن «حدسه» الذي كان يشجعه على ضرورة الانسحاب، باستجابته للتقارير الأمنية التي عرضها عليه العسكريون. ولما وصل إلى هذا المقطع من خطابه، ركزت كاميرات المراسلين على وجوه الجنرالات الذين جلسوا في المقاعد الأمامية. وشوهدوا وهم يبتسمون بخبث كأنهم يريدون الإيحاء للمشاهدين بأنهم يقفون وراء هذا القرار المفاجئ. وبالفعل، كان الجنرالات الذين يحكمون الولايات المتحدة من وراء الستار، يمثلون الدافع غير المعلن للموقف الصادم الذي اشترك في وضعه كل من: وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي ماكماستر، ورئيس هيئة الأركان جوزيف دانفورد، وكبير الموظفين في البيت الأبيض جون كيلي.

ويقضي الوعد الذي قطعه ترامب بإرسال أربعة آلاف جندي إضافي مبدئياً إلى أفغانستان للاشتراك في حرب شرسة استمرت أكثر من ست عشرة سنة، وكلفت الخزينة الأميركية ثلاثة بلايين ونصف البليون دولار شهرياً.

الجنود الجدد سينضمون إلى قوة بقيادة الجنرال جون نيكلسون وصل عدد أفرادها إلى 8400. وهي تعمل بالتنسيق مع قوة دولية مشتركة يبلغ عددها 13 ألف مساند.

والثابت أن عملية طرد ستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض وموجّه سياسة الرئيس، كانت لها علاقة بموقفه من أفغانستان، ذلك أنه دعا، في أكثر من مناسبة، إلى سحب القوات الأميركية من جميع مواقع التورط العسكري، على أن يصب اهتمام البيت الأبيض على خدمة الشؤون الداخلية. واقترح في الوقت ذاته تشكيل فرقة من المرتزقة تكون مسؤولة عن حفظ النظام وتطبيق القانون في كابول بإشراف الدولة ودعمها.

الرئيس السابق باراك أوباما تعرض هو الآخر لضغوط العسكريين الذين فرضوا عليه إرسال ثلاثين ألف جندي للاشتراك في مقاومة تمدد «طالبان». ثم انخفض هذا العدد تدريجياً ليصل إلى 8400 عنصر. وقد اختار الجنرال نيكلسون منهم ألفي عنصر اعتبرهم صالحين لتأدية دور الردع ضد جماعة «القاعدة» و «داعش». كذلك طلبت منهم القيادة استئناف عمليات الاغتيال بواسطة فرق مدربة كالفرقة التي اغتالت أسامة بن لادن في مسكنه في «أبوت آباد» الباكستانية عام 2011.

صدر قبل شهر تقريباً عن جامعة هارفارد تقرير مفصل يقدر تكاليف تورط القوات الأميركية في العراق وأفغانستان بنحو 6 تريليون دولار، الأمر الذي يجعل منهما أغلى حربين خاضتهما الولايات المتحدة في تاريخها. لكن هذه التكاليف الباهظة، التي تنوء بأثقالها الخزينة، لم تردع دونالد ترامب عن تبني نصيحة وزير الدفاع جيمس ماتيس، والتراجع عن دعوته السابقة إلى ضرورة سحب القوات من أفغانستان.

ورأى الخبير في مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس، أن مضاعفة حجم المهمة التي كلف بها الجيش الأميركي تجعل من أفغانستان مركزاً للقواعد الأميركية المعدة لمحاربة الإرهاب في بلدان جنوب آسيا.

واللافت أن ترامب في كلمته المكتوبة، دعا إلى معاقبة باكستان كونها تأوي إرهابيين، واتهم استخباراتها بتغذية التيارات المعادية للوجود الأميركي. والملاحظ في هذا السياق أن واشنطن بدأت ترسم للمستقبل استراتيجية دفاعية مختلفة جداً عن استراتيجيتها خلال السبعينات والثمانينات. أي عندما تحولت باكستان إلى قاعدة أساسية لمقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان. يومها كانت مدينة بيشاور مرتعاً خصباً لعناصر «طالبان»، إضافة إلى مختلف الحركات المتشددة التي ساهمت في طرد الغزاة الروس. ويرى المراقبون أن تهديد ترامب لباكستان يحمل في طياته انقلاباً سياسياً على الماضي، خصوصاً قوله: «لا يمكننا بعد اليوم الصمت حيال الملاذات الآمنة التي توفرها باكستان للمنظمات الإرهابية.»

وبما أن الحرب الأميركية في أفغانستان لا تسمح لواشنطن بالعمل المريح من دون مشاركة دولة آسيوية تعوض عن الفراغ الذي سيحدثه تغييب باكستان، لذلك اختارت القيادة العسكرية الأميركية الهند بديلاً من باكستان.

وفي تحليل أوردته الصحف البريطانية ما يؤكد حدوث هذا التحول الاستراتيجي. ولكنه يعلل اختيار الهند شريكاً جديداً كنتيجة للعقود السخية التي وقعتها الصين مع باكستان. وهي عقود طويلة الأجل، بينها استثمارات بمبلغ خمسين بليون دولار.

مجلة «فورين بوليسي» عزت قرار الرئيس ترامب بزيادة القوات الأميركية في أفغانستان إلى أغراض تجارية واقتصادية على اعتبار أنه لا يفهم إلا بلغة المال والأعمال. وذكرت المجلة أن الرئيس الأفغاني أشرف غني أخبر الرئيس الأميركي، خلال لقائهما في مؤتمر الرياض، أن بلاده تملك ثروات من المعادن أهمها: الحديد والنحاس والفولاذ والرصاص… وأن شركات صينية تقوم باستخراجها واستثمارها. وتستنتج المجلة أن إغراءات الرئيس الأفغاني شجعت الرئيس الأميركي على اتخاذ قرار التجديد لحرب استمرت 16 سنة خسرت خلالها 2400 جندي… كما أنفقت ثروة يصعب تقديرها.

إضافة إلى كل هذه الذرائع، برز دور إيران في تلك المنطقة كحافز مركزي شجع العسكريين الأميركيين على تمديد فترة وجودهم في أفغانستان.

وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» استناداً إلى مصادرها إن إيران نشطت في الخفاء عبر حدودها الشرقية مع أفغانستان بهدف توسيع رقعة نفوذها. وهذا ما فعلته من الجهة الأخرى مع العراق وسورية بحيث أوصلت حدودها إلى البحر الأبيض المتوسط. ويبدو أنها استغلت موقف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بإعلان سحب قواته من أفغانستان، الأمر الذي شجعها على ملء الفراغ السياسي على نحو تملك فيه حرية التصرف من مختلف الجهات.

عقب الشروع في تنفيذ خطة انسحاب القوات الأميركية بصورة تدريجية من أفغانستان، رأت طهران في تلك المناسبة فرصتها التاريخية لإحلال سلطتها على جانبي الحدود: أي من الغرب حيث أزالت لها أميركا عدوها القوي صدام حسين… ومن الشرق حيث تحاول حركة «طالبان» استعادة نفوذها من قندهار إلى كابول. وبما أن الحدود بين الدولتين الجارتين تمتد على مساحة تزيد على 800 كلم، فإن ذلك يساعد على تمرير الأسلحة إلى مقاتلي «طالبان» ممن تساعدهم إيران على استنزاف القوات الأميركية ودفعها إلى تسريع الانسحاب.

ويُستدَل من كل هذه النشاطات المريبة أن طهران قررت اعتماد سياسة احتواء حركة «طالبان» بغرض تطويعها واستمالة زعمائها. وفي حساباتها أن هذا الانفتاح قد يسمح لها بالتدخل في شؤون أفغانستان، ويمنع تثبيت الاستقرار فيها. خصوصاً أن منطقة هرات القريبة من الحدود استقبلت خلال الحروب الأهلية المتواصلة منذ الغزو السوفياتي، أكثر من مليوني لاجئ أفغاني. وقد وصل عددهم اليوم إلى أكثر من ثلاثة ملايين.

وكان لا بد من ضبط نشاطات هذا الطابور الخامس، وتدريب عناصره وتسليح مقاتليه. وقد وصل التعاون بينهما حداً عميقاً بحيث أن «الحرس الثوري» الإيراني كان يشارك «طالبان» (فريق الملا منصور) بالهجمات على الجيش الأفغاني.

عقب إعلان قرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان، سارع زعيم «طالبان» الملا أختر محمد منصور إلى التسلل باتجاه طهران حيث التقى مسؤولين أمنيين، إيرانيين وروساً. وعلمت استخبارات الجيش الأميركي التي كانت ترصد تحركاته، أنه أجرى صفقة مهمة مع الجهتين تؤمن له التمويل والتسلح. وكان عقابه الموت بقنبلة رمتها طائرة «درون» على سيارة أجرة كان يستقلها للتضليل والتمويه.

هل يمكن أن يؤثر غياب الملا منصور في موقف إيران، باعتباره كان يمثل أكثر حلقات «طالبان» ارتباطاً بسياستها في أفغانستان؟

كل المؤشرات السياسية تتوقع حدوث تغيير في موقف طهران من أفغانستان. وهذا ما ينطبق على موقف روسيا أيضاً. ذلك أن المصلحة المشتركة تجمع الدولتين في أفغانستان، تماماً مثلما تقاطعت مصالحهما في سورية. ومن المرجح أن تنتقم روسيا من الولايات المتحدة التي هزمتها بواسطة المجاهدين في السبعينات والثمانينات، وذلك بواسطة مقاتلي «طالبان» الذين أعلنوا أنهم سيجعلون من بلادهم مقبرة القوات الأميركية وحلفائها.

بقي توضيح موقف إسرائيل من كل ما يجري حولها، وهو موقف يتسم بالضياع والقلق، خصوصاً بعدما خذل الرئيس فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عندما زاره في منتجع سوتشي. وكان ذلك إثر الصمت الأميركي الذي قابل به البيت الأبيض زيارة وفد إسرائيلي جاء يطلب الدعم وضمان المشاركة العسكرية فيما لو اضطرت إسرائيل إلى شن حرب مباغتة. واعترف رئيس هيئة الأركان جوزيف دانفورد أمام أعضاء الوفد بأن بلاده مشغولة بهموم داخلية معقدة، إضافة إلى هموم خارجية خطرة يطرحها يومياً تهديد زعيم كوريا الشمالية باستهداف جزيرة غوام الأميركية.

نتانياهو اصطحب معه إلى سوتشي رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية يوسي كوهين، ومستشار الأمن القومي الجديد مائير بن شبات. وقال إن وفده عاد من دون ضمانات، لذلك فهو يتمنى على بوتين التدخل مع القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لها، لتبقى بعيدة عن حدود إسرائيل 40 كلم، وليس 20 كلم، بحسب التعهدات السابقة. كذلك طلب من بوتين تحذير إيران من احتمال تدمير مخزن الصواريخ الذي تبنيه في منطقة «وادي جهنم» بالقرب من بلدة بانياس الساحلية. وكل ما ذكره الناطق الرسمي الروسي بعد الاجتماع هو أن الحرب في سورية أوشكت على النهاية، وأن على إسرائيل أن تغير استراتيجيتها بحيث لا تشعر بالقلق.

عقب عودة نتانياهو من سوتشي، وإبلاغ مجلس الوزراء المصغر تفاصيل لقائه مع بوتين، أعلن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بالتنسيق مع وزير التعليم نفتالي بينيت، أن إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها ضد أي عدو يمثل تهديداً مباشراً لأمنها ووجودها.

وفي احتفال عيد «التحرير الثاني»، الذي أقامه «حزب الله» في بعلبك، طلب الأمين العام السيد حسن نصرالله من العسكريين والمدنيين بأن يتنبهوا إلى أخطار التهديد الأمني.

على ضوء المتغيرات المتسارعة في سورية، تنتظر إسرائيل بقلق بروز النظام الذي يحكم سورية، ويتحكم بمصائرها. ذلك أنها تريد أن تتأكد من استمرار نفوذ بشار الأسد، الذي أعطاها الأمن والأمان على الجولان مدة 44 سنة!