IMLebanon

الحرب بين مأزق نتانياهو… ومأزق الإدارة الأميركية

 

إستئناف نتانياهو الحرب المدمرة على غزة بمثل هذه الوحشية، لن يُنقذه من المأزق الذي الذي وقع فيه، نتيجة الإندفاعة العسكرية الهوجاء في غزة، دون أفق سياسي واضح، والتي كانت مزيجاً من الغضب الإنفعالي على ضربة ٧ تشرين، والصلف الغروري لقدرة جيشه المجروح في المستوطنات المجاورة لغزة.

إكتفى رئيس حكومة الحرب بتحديد أهداف آنية، في مقدمتها تحرير الأسرى، والقضاء على حماس وقيادتها العسكرية والسياسية، وإنشاء منطقة عازلة بين القطاع والمستوطنات القريبة منه. ولكن سرعان ما تبين أن سقوف هذه الأهداف هي أكثر من عالية، وتكاد تكون عصيّة على التحقيق، والحرب على عتبة بداية الشهر الثالث، دون أن تحقق أياً من أهدافها، ولولا الهدنتين ما كان عاد أي رهينة إسرائيلية إلى عائلته، وحماس مازالت تقاتل بزخم الأيام الأولى للحرب، في حين الخسائر في صفوف الجحافل الإسرائيلية بإزدياد مضطرد، بشهادة أحد المسؤولين عن المقابر العسكرية، والذي أعلن عن دفن جثث عسكرية بكثافة، وبمعدل جثة كل ساعة.

 

مأزق نتانياهو يزداد تعقيداً كلما طالت أيام الحرب، لأن زعيم الليكود المتهاوي سياسياً، أصبح أمام وضعين لا ثالث لهما: إما الإستمرار في الحرب بحجة الرهائن، رغم الخسائر المتراكمة عسكرياً على الجبهة، وإقتصادياً في الداخل. وإما الذهاب إلى السجن بتهم الفساد المقامة ضده، فضلاً عن الإتهامات لممارساته السياسية التي أضعفت الجبهة الداخلية، لأنه تعمَّد إتباع أساليب التفرقة بين شرائح المجتمع الإسرائيلي، وتأجيج الخلافات بين اليمين واليسار، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين الإشكناز والسفرديم، وبين العرب والإسرائيليين، فضلاً عن إنقلابه ضد النظام القضائي الذي أثار سخط الأكثرية من الإسرائيليين، مما أدّى إلى «إضعاف المناعة الداخلية»، كما يقول خصومه السياسيون، والتي ظهرت بسرعة غداة هجوم ٧ تشرين على المستوطنات في الجنوب.

 

القصف البربري ضد الأحياء المدنية، وإرتفاع وتيرة المجازر البشرية، وسقوط الضحايا بالمئات، بين ساعة وأخرى، لن يُفيد نتانياهو في الهروب إلى الإمام، حيث كلما إستمرت الحرب، كلما زادت خسائره العسكرية، وتصاعدت المواقف ضده داخلياً. حيث بدأت مطالبة المتظاهرين وعدد من السياسيين برحيل نتانياهو بالتداول والإنتشار في الإعلام الإسرائيلي، وفي أوساط الكتّاب الأميركيين، مثل الصحفي اليهودي المعروف توماس فريدمان، الذي إعتبر أن وجود نتانياهو في السلطة جرّ الويلات على إسرائيل، ولا بد من ذهابه لسلوك طريق السلام النهائي في المنطقة، وإعتماد حل الدولتين. يُضاف إلى كل ذلك إستمرار التحولات الجذرية لشعوب الدول الحليفة لتل أبيب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي تحولت نسبة التأييد لإسرائيل من ٦٥ بالمئة في الأيام الأولى للحرب، إلى ٨٥ بالمئة لمصلحة الفلسطينيين، بعد إنتشار صور المجازر اليومية ضد النساء والأطفال في غزة. وكذلك في العواصم الأوروبية، وإن بنسب متفاوتة.

أما مأزق واشنطن في الدعم اللامحدود الذي قدمته لنتانياهو في أعقاب هزة ٧ تشرين، فيكمن بإستمرار الحرب أسابيع طويلة دون تحقيق «رد الإعتبار» للجيش الإسرائيلي، بعد سقوط أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ودون الوصول إلى الرهائن، وإضطرار الإدارة الأميركية للجوء إلى التفاوض مع حماس، ولو بطريقة غير مباشرة في الدوحة، لضمان خروج الرهائن والمواطنين الأميركيين من غزة سالمين من جهة، والعمل على فرض الهدنتين على حكومة نتانياهو تجاوباً مع الضغط العالمي المتزايد إستنكاراً للهمجية الصهيونية، التي لم توفر المستشفيات والمدارس ومراكز العبادة في غزة.

وقد سبق للرئيس الاميركي جو بايدن وكبار معاونيه، أن أعلنوا رفضهم لخروج إسرائيل من هذه الحرب خاسرة، إذا لم تحقق أياً من الأهداف التي سعت إليها في هذه المعركة، وخاصة القضاء على قيادة حماس، الأمر الذي كان أحد أسباب الضوء الأخضر الأميركي للإسرائيليين لإستئناف الحرب وإيقاف المفاوضات في الدوحة، رغم عدم إلتزام حكومة الحرب الإسرائيلية بتعهداتها بتحييد المدنيين، «ما أمكن»، عن القصف والقتل في غزة، فكانت النتيجة تعمُّد قتل «ما أمكن» من الفلسطينيين الأبرياء، والقضاء على ما تبقى من المستشفيات العاملة في القطاع!

ويبقى السؤال : ما هي الفترة الزمنية الجديدة التي حددتها واشنطن لتل أبيب للبقاء في الميدان؟

ولكن ماذا عن مضاعفات الجولة الثانية من الحرب في غزة على الجنوب اللبناني؟

التوافق الدولي ــ الإقليمي، وخاصة بين أميركا وإيران، على عدم توسعة الحرب في المنطقة، لا سيما على الحدود اللبنانية، مازال سارياً، وحزب الله ملتزمٌ قواعد الاشتباك رغم خسائره البشرية.

وثمة ضغوط أميركية وعربية للجم محاولات نتانياهو جرّ لبنان إلى مواجهة عسكرية كبيرة، ليكرس مشهد الدولة ــ الضحية، تخفيفاً لموجات الإحتجاج التي عمّت العالم ضد حربه على غزة، وسعياً لتحسين وضعه السياسي في الداخل الإسرائيلي.

فهل تنفع الضغوط الأميركية في الجنوب اللبناني، حيث فشلت في قطاع غزة؟