في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس بايدن وضعاً معقداً لمستقبله السياسي، من بوابة الشكوك التي باتت تواجه حملته الانتخابية بعد مناظرته الاولى مع منافسه دونالد ترامب، يواجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المزيد من المصاعب والتحديات في حربه ضد حماس والتي شكلت الحرب الاطول التي تخوضها اسرائيل. ولا يبدو في الافق بأن نتنياهو سيكون قادراً على تحقيق النصر او استعادة الاسرى او وقف الحرب الدائرة في الشمال مع حزب الله. يضاف الى كل هذه المتاعب التي تواجهها الحكومة الاسرائيلية بعد صدور تهديدات من وزراء اليمين المتطرف بالاستقالة، في حال اعلان نتنياهو القبول بوقف العمليات العسكرية ضد حماس، وخصوصاً في مدينة رفح، والتي بدأت القوات الاسرائيلية بغزوها في السادس من ايار، تحت عنوان «ضرورة القضاء على ما تبقّى من افواج حماس العسكرية»، والبحث عن قادتها وعلى رأسهم يحيى السنوار.
تعلن قيادات سياسية وعسكرية اقتراب موعد نهاية عملية رفح خلال اسبوعين او اربعة، وبأن نهايتها ستشكل نهاية الحرب الواسعة مع حماس، بعد تكبدها خسائر فادحة.
لكن يبدو بأن الحرب بدأت تتخذ منحى جديداً سواء لجهة اطالة امدها او لجهة تكبد الجيش الاسرائيلي المزيد من الخسائر.
يؤشر المسار الجديد لعمليات حماس العسكرية وخصوصاً في حي الشجاعية في مدينة غزة بأنه لن يكون من السهل على نتنياهو اقناع حكومته او حلفائه بأن «النصر الكبير» قد تحقق، وفق ما وعد به نتنياهو منذ بداية الحرب، بالاضافة الى الاهداف الاخرى التي حددها وأهمها: استعادة الرهائن وتدمير قدرات حماس العسكرية واجهزتها الادارية لحكم غزة، مع التأكيد على ان غزة لن تكون مصدر تهديد لاسرائيل في المستقبل، وفي رأينا يبدو بوضوح بأنه لم يتحقق ولن يتحقق أيٌّ من هذه الاهداف التي سعى نتنياهو اليها منذ بداية عملياته العسكرية في غزة قبل تسعة اشهر.
من المتوقع ان تستبق القيادات الاسرائيلية الاعلان عن انتهاء العمليات في غزة بجردة عن نتائج القتال الذي جرى في رفح، من خلال التشديد على: أولاً، بأن العملية لم تكن كارثية على السكان المدنيين، وبالنسب العالية للقتلى التي حذرت منها الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية والعربية، وثانياً لجهة حجم الاضرار الكبيرة جداً التي اصيبت بها البنية العسكرية لحماس، مع التأكيدعلى ان العمليات ستستمر ولكن بطرائق اخرى. سيجري التركيز على جمع معلومات دقيقة، حول امكنة تمركز مجموعات حماس، وخططها العسكرية، وخصوصاً لجهة قدراتها على نصب كمائن، او شن عمليات مفاجئة بواسطة مجموعات صغيرة ومتحركة، بمقدورها التخفّي بسرعة بعد تنفيذ هجماتها المباغتة ومن مسافات قصيرة جداً.
لا يمكن إنكار حقيقة حجم الخسائر العسكرية الكبيرة التي اصيبت بها قوات حماس، حيث يقدّر بعض الخبراء بأنها قد بلغت ما يقارب 50 في المائة من عديد المقاتلين بين قتيل وأسير، هذا بالاضافة الى اكتشاف القوات الاسرائيلية لعدد كبير من الانفاق وغرف العمليات الخاصة وتدميرها. كما ان اسرائيل باتت تسيطر على حدود غزة مع مصر، وبما يمكنها من قطع جميع انفاق وطرق تهريب الاسلحة الى داخل القطاع.
لكن كل هذه الخسائر التي منيت بها حماس لن تسمح للحكومة الاسرائيلية باعلان «الانتصار الكبير» الذي وعد نتنياهو الشعب الاسرائيلي بتحقيقه. كما انه لا يمكن انكار خيبة الامل الكبيرة للقيادات الاسرائيلية السياسية والعسكرية لعجزها عن الامساك او قتل يحيى السنوار ومحمد ضيف وبعض القياديين الآخرين في حماس.
في رأينا سواء طالت الحرب في مرحلتها الثالثة او قصرت فإن النهاية لن تكون لصالح اسرائيل، حيث من المنتظر ان تعود قوات حماس لتؤكد سيطرتها على كامل القطاع، مع استعادة كامل سيطرتها الادارية على القطاع، وهذا ما يؤشر اليه فشل اسرائيل في ايجاد مؤسسات بديلة لتعبئة الفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع.
تبقى المعضلة الكبرى التي ستواجهها اسرائيل من خلال فشل حكومة نتنياهو في التوصل لحل ازمة الرهائن الموجودين لدى حماس، وتدرك قيادة حماس مركزية واهمية الاحتفاظ بهذا العنصر الحاسم في منع نتنياهو من اعلان «الانتصار الكبير» الذي وعد بتحقيقه من خلال الحرب.
بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة وكل من مصر وقطر من اجل اقناع حماس بقبول خطة بايدن لتحقيق هدنة مقابل تحرير عدد من الرهائن، فإنه لا يبدو بأن حماس ستتخلى عن هذه الورقة الرابحة، والتي يمكن ان تطيح في نهاية المطاف بحكومة نتنياهو، وأن تؤمن انسحاباً سريعاً للقوات الاسرائيلية من كامل قطاع غزة، بالاضافة الى ذلك فإن حماس وقياداتها تجد ان امساكها وتشدُّدها بمسألة الرهائن باتا يشكلان بوليصة التأمين الوحيدة لمستقبلها وسلامة قياداتها السياسية والعسكرية، ولاعلانها الانتصار على اسرائيل، وبالتالي تبرير الخسائر الدراماتيكية بالارواح وبكل البنى العمرانية التي دمرتها الحرب في القطاع.
في نفس الوقت تدرك اسرائيل بأنه لن يكون من السهل ضبط العمليات العسكرية مع حزب الله في الشمال الا في حال وقف الحرب في القطاع، فالحزب لا يخشى تهديدات اسرائيل وهو مستمر في عملياته الى حين خضوع نتنياهو لمطاب حماس المتشددة. وهكذا فإن مصير 60000 لاجئ من مستعمرات وبلدات شمالي اسرائيل سيبقى معلقاً، وسيزيد الضغوط على الحكومة الراهنة. من الواضح بأن اي عمل عسكري واسع تقوم به اسرائيل ضد حزب الله لن يحل هذه المعضلة، حيث يمكن للحزب الاستمرار في قصفه للشمال والوسط الاسرائيلي حتى ولو نجحت عملية غزو بري في إبعاده عن الحدود 50 الى 60 كيلو متراً نحو الشمال.
يدرك معظم المراقبين الآن بقرب وصول نتنياهو الى نهاية هذه الطريق الوعرة وبأنه قد اقترب اكثر من اي وقت سابق من نهاية مساره السياسي الطويل من خلال سقوط حلمه «بالانتصار الكبير الذي وعد بتحقيقه.