IMLebanon

الحرب على الدولة

 

كشفت الحرب الدائرة اليوم، بين إسرائيل والفلسطينيين، كل ما كان مستورا منها. فضحت إسرائيل، وكشفت دور نتنياهو، وأماطت اللثام عن جميع الاتصالات والتقاطعات الخفية منها والعلنية، بين الكيان الإسرائيلي وبين الإدارة الأميركية، وبين نتنياهو نفسه، وبين الرئيس جو بايدن.

أظهرت حرب المائة يوم وأخواتها، وباقي أيامها وشهورها وربما سنواتها، أنها تخاض بين إسرائيل وحماس، على أساس من الحرب على الدولة الفلسطينية المقترحة نفسها، في إطار «حل الدولتين»، التي تمخضت عنها مفاوضات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، التي أولدت السلطة الفلسطينية، وإتفاقية أوسلو المشهورة، والتي رعتها الولايات المتحدة الأميركية، وشهدت على التوقيع عليها، بين إسحاق رابين و ياسر عرفات في البيت الأبيض في واشنطن، في عهد الرئيس بيل كلينتون 13 سبتمبر العام 1993.

 

الحرب التي تقوم بها إسرائيل في الضفة وغزة والقطاع اليوم، تكشف المستور، وتهزّ العلاقة، بين البيت الأبيض وتل أبيب. إستطاع الرئيس جو بايدن، أن يجعل نتنياهو، ينطق بما يديره ويريده ويدبره بليل، من الحرب على الفلسطينيين. يقولها اليوم، بالفم الملآن نفسه بنفسه، بعدما حشره الرئيس جو بايدن: لا دولة لكم، مهما طالت الحرب عليكم، مهما طالت الحرب بيننا وبينكم، حتى ولو إقتضى الأمر، أن نخوض حربا طويلة عليكم، أن نحمل عليكم بحرب إبادة.

إسرائيل، لم تعد تريد أن تسمح بجرحى الحرب الذين يدخلون إلى مستشفياتها من الفلسطينيين واللبنانيين. قررت أيضا، إستثناءهم من المعالجة، من بين جرحى الحرب، ووجهت توصياتها برفض معالجتهم في مستشفياتها.

 

كذلك ترفض إسرائيل، أن تسهّل المعاملات المالية، بين السلطة الفلسطينية والدول الأوروبية وسائر دول العالم، وتفرض على عملياتها القانونية المأذونة، طابع المراقبة. وترفض أن تسهّل دخول المساعدات الطبية ولوازمها، إلى المستشفيات الفلسطينية، ومستشفيات غزة، التي أبقتها على «قيد الحياة»، إلّا بقبض ثمنها مسبقا، من خلال الاتفاقات السرية مع الجهات المعنية. وهي إلى ذلك ترفض تسهيل مرور المساعدات الغذائية، إلى غزة وعموم مدن القطاع، وعموم الأراضي الفلسطينية، فهي تفرض عليهم حرب تجويع لإبادتهم بالجوع والمرض والعطش، بعد الحملة العسكرية عليهم، لإبادتهم، بحرب إبادة، تشنّها بالأسلحة الممنوعة دوليا.

وتعيد إسرائيل اليوم إلى حساباتها، وتأخذ ذلك بحسبانها، كما أبانت عنه خطط نتنياهو: طرد العمال الفلسطينيين من أعمالهم، في المزارع والحقول والقرى والمدن. وهي أيضا، تضيّق عليهم في المعامل والمصانع، وفي الدوائر وفي المدارس وفي الجامعات، وتغلق أبواب المساجد والكنائس في وجوه المصلّين، وتمنعهم من الصلاة فيها.

انقلبت إسرائيل في عهد حكومة نتنياهو أخيرا، على كل الاتفاقات السابقة مع الفلسطينيين وكشّرت عن أنيابها. وكانت السلطة الفلسطينية في رام الله تشكو غدر إسرائيل بالاتفاقات المبرمة، بإشراف الدول والأمم والإستهانة بها، وذلك من خلال منع الماء والكهرباء عنهم، ومن خلال إقتطاع الأراضي، التي كانوا قد اعترفوا بها لهم، كحق مشروع من حقوقهم، ومن خلال عمليات التعسّف في القمع والقتل والإعتقال، في جميع مدن الضفة، ومن خلال سياسة هدم المنازل وهدم المدن، وملاحقة من يريدون، من الناس بغير وجه مشروع: صغارا وكبارا وشيوخا ونساء، وذلك بلا مرجع قانوني، وبلا دعاوى قانونية، بل بحكم الأمر الواقع، الذي تفرضه قواهم العسكرية الطاغية.

ومنذ إغتيال إسحاق رابين ومن ثم وفاة ياسر عرفات في ظروف، لا زالت مشبوهة وغامضة، كما يقول العارفون، جاهرت إسرائيل بمحاربة السلطة الفلسطينية والإعتداء عليها. كما صادرت سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن، وحاصرتها وقيّدتها، حتى صارت سلطته بلا سلطة، وحتى سوّغت لنفسها، بممارسة السلطة في الضفة والقطاع، نيابة عن سلطة السلطة الفلسطينية الشرعية، مستفيدة من مهادنة الرئيس – الحكيم لها، لأنها بموقع القوة، ولا يريد أن يجرّ باقي البلاد إلى حرب، تبيت له، لسحق الدولة الفلسطينية القائمة، من خلالها.

إسرائيل نفسها، موّلت مخاصمة ومحاربة ومعاداة السلطة الفلسطينية. وهي التي كانت تشجع وتدفع إلى الإنقسام، حتى تفشل السلطة الفلسطينية. وكانت تتستّر على تمويلها لهم أعداء وخصوما للسلطة، من خلال تزوير القوائم والفواتير والتقارير الدولية لدى الدول ولدى البنوك ولدى الشركات الوهمية المتعاونة، حتى تصبّ في حسابات خصوم السلطة وأعدائها، ولو كانوا من أشقائها.

اليوم تتكشّف نوايا نتنياهو الذي كان يخفيها في نفسه: عدم السماح بإقامة الدولة الفلسطينية، ولو اضطره الأمر، للذهاب في حرب عليها، أيا كان لونها وشكلها. فوجد في حماس وحزب الله ضالته، واندفع بكل قوة يكيل لهما الضربات والاقتحامات، تحت مرأى الدول الكبرى ومسمعها، وهو يعلن: «لا دولة للفلسطينيين. لا دولة للسلطة الفلسطينية، عندنا»!. ثم يكمل حربه، في سائر مدن الضفة!

تريد إسرائيل أن ينقاد الفلسطينيون إليها بلا سلطة، بلا دولة. أن يذهب العرب للتطبيع معها بلا شروط، بلا أدنى تنازل من جهتها، حتى عن القدس، حتى عن المسجد الأقصى، حتى عن كنيسة المهد، حتى كنيسة القيامة، بلا إعتراف، حتى بحقوق الفلسطينيين المشروعة التي وافقت أمم الأرض عليها، بلا سلطة، حتى ولو كانت من نوع السلطات البلدية، ومن نوع سلطات المخاتير، ومن نوع سلطات «الجاهنجاهية» أو «الجاهية».

يمارس اليوم نتنياهو سلطته، على كامل الأراضي الفلسطينية، ويرسل طائراته ومسيّراته ومدافعه وصواريخه، إلى المخابئ في لبنان وسوريا، يريد قتل، كل من يطالب بفلسطين وبالمسجد الأقصى، وهو يقول: لا للدولة الفلسطينية. لا للسلطة الفلسطينية.

ويستشعر اليوم الرئيس جو بايدن بنوايا نتنياهو الخبيثة المبيتة. وإسرائيل في ظلّه، تنقلب على اتفاقية أوسلو، وتشجع المنقلبين عليها. ولذلك نراه محرجا من سياسته التي أطاحت بشهادة واشنطن وتصديقها لها.

ولا يخفي الرئيس بايدن غيظه اليوم، من سياسة إسرائيل، وهو في عزّ حملته الإنتخابية. فقد خيّب أمله من حملته العسكرية الطاغية الهوجاء في غزة. وصار يخشى على أمن المنطقة، وهو يدفعها للحرب، تحت عنوان: «أمن إسرائيل في خطر». ويجعل كل الشعب الإسرائيلي، وكل شعوب الإقليم، في محرقة، يصنعها نتنياهو لهم بيديه من جديد، لأجل المحافظة على تقدّمه، على فوزه، على ظفره بالسلطة.

نتنياهو نفسه يناور في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا وفي المملكة العربية السعودية وفي إيران وفي تركيا وفي روسيا وفي الصين وفي أميركا، وفي جميع مراكز القوى العالمية، جهارا وسرا، على الدولة الفلسطينية. وهو يقود أعظم حرب إبادة، على الشعب الفلسطيني عموما، وعلى شعب القطاع وغزة. إنها الحرب على أوسلو، على حل الدولتين، على شهادة واشنطن عليها. إنها الحرب على الدولة.