تتصاعد العمليات العسكرية الاسرائيلية في كل من غزة ولبنان ويبدو بوضوح بأن نتنياهو قد قرّر تطبيق نفس السيناريو الذي اعتمده في غزة على لبنان، والذي اظهر بأن فشله في تحقيق الانتصار الذي تريده الحكومة اليمينية في اسرائيل، بالرغم من دعوات بعض الوزراء من البارزين من داخلها الى رئيس الوزراء للتعقل، ولاعادة تقويم الاستراتيجية المعتمدة قبل فوات الآوان.
سبق ان اتهم الوزيران بيني غانتس وغادي ايزنكو نتنياهو باتباع سياسات وخطط عسكرية في الحرب على غزة تخدم مصالحه الشخصية، كما اتهماه بالفشل في تحقيق اي من الاهداف المعلنة للحرب ولا سيما القضاء على حركة حماس واعادة الأسرى من القطاع، واتهم غانتس نتنياهو عند اعلان استقالته بعرقلة القرارات الاستراتيجية انطلاقاً من اعتبارات سياسية خاصة، ويتكرر هذا المشهد الآن مجدداً مع الحديث عن خلافات في الرؤية لمسار الحرب في كل من غزة ولبنان بين رئيس الوزراء ووزير دفاعه. دفع هذا الخلاف يوآف غالانت الى توجيه رسالة خاصة لنتنياهو تظهر مدى تبرّمه من اعتماده لسياسات تضييع اهداف الحرب في ظل تجاهل لكل التطورات السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة خلال ما يزيد عن عام كامل.
جادل غالانت في رسالته بأن اسرائيل تقود عملياتها العسكرية وفق «بوصلة» معطلة، وبأنه بات لزاماً على الحكومة ان تعيد النظر في اهداف الحرب التي اعتمدتها بعد عملية 7 تشرين اول 2023. يقول غالانت في رسالته «حدثت تطورات هامة في الحرب، وخصوصاً بعد ان تبادلت اسرائيل وايران عمليات قصف جوي وصاروخي، الامر الذي فرض ضرورة عقد نقاشات من اجل اعادة تقييم اهداف الحرب على قاعدة عامة وشاملة». ولا بد من الأخذ بعين الإعتبار تعدد الجبهات والعلاقات الخاصة التي تربط بينها.
اتخذت اسرائيل قرار الحرب على غزة قبل 13 شهراً، للرد والانتقام للهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على منطقة غلاف غزة، وكان هدفه المعلن تدمير حماس «كمنظمة ارهابية» وتحرير الرهائن الذين اخذتهم حماس في نهاية هجومها. لكن خلال هذه الفترة الطويلة منذ بداية الحرب فقد توسعت الحرب لتشمل العديد من اذرعة ايران العسكرية، وحتى ايران نفسها، بحيث بات يمكن القول بأن اسرائيل باتت تحارب على سبع بجهات مختلفة.
عادت اسرائيل في وقت لاحق واضافت هدفاً للحرب ويتلخص بالعمل على اعادة ما يقارب من 80 الف نازح عن البلدات والمستعمرات الشمالية الى بيوتهم، مع تمسك حزب لله على ربط مشاركته بالحرب بما يجري في غزة. قررت اسرائيل قطع رأس حزب لله من خلال تنفيذ سلسلة اغتيالات لقياداته العليا، بما فيها اغتيال امينه العام السيد حسن نصر لله.
وكان ردّ الحزب بعد استعادته لانفاسه بعد الضربة القاسية التي تعرّض لها ان صعد عملياته لتشمل حيفا وتل ابيب، بالاضافة لمواجهة العمليات البرية الاسرائيلية على طول الشريط الحدودي وعلى طول الخط الازرق. وكان الملافت في العمليات البرية فشل الألوية الاسرائيلية في تحقيق اي اختراق هام، حيث شهدنا بأن الاختراقات لم تبعد دود قرى الصف الامامي، في الوقت الذي بقيت فيه بلدة الخيام في القطاع الشرقي صامدة حتى اليوم.
اقترح غالانت وفقاً لبعض وسائل الاعلام الاسرائيلية عدة تعديلات على الاهداف المعتمدة من ابرزها:
1- في الضفة الغربية ان يجري اعتماد خطة لمكافحة الارهاب بدل عمليات عسكرية كثيفة تهدف الى معاقبة السكان وهدم بيوتهم.
2- العمل بكل الوسائل لاستعادة عامل الردع مع ايران والعمل لعي تحييدها والحؤول دون مشاركتها المباشرة في الحرب.
3- اما في غزة فمن الضروري التعامل مع الوضع بواقعية من اجل عدم تشجيع العمليات الارهابية، وذلك من خلال عدم التعامل بقسوة مع السكان، ويبدو وكأن غالانت لا يريد حكم غزة من قبل اسرائيل، وهو يعارض كل دعوات عودة الاستيطان، ويجب التركيز على المفاوضات لاستعادة جميع الرهائن، والبحث عن بديل لحماس لحكم غزة. لا يمكن الاستمرار في حصر اهداف الحرب لتدمير حماس، بل يجب البحث عن سلطة حاكمة بديلة لحماس.
4- يبدو بأن غالانت قد اراد النيل من التيار المتطرف داخل مجلس الوزراء، والذي يدعو الى تشديد العمليات الاسرائيلية ضد ايران، وفي لبنان واليمن، وداخل سوريا والعراق، وسعى نتنياهو الى احتواء نقمتهم على وزير الدفاع، وفوعدهم بأن تكون ايامهم معدودة في الحكومة من خلال تغييره بوزير آخر.
5- لم تتمكن وسائل الاعلام من تحديد التعديلات التي يقترحها لاهداف واستراتيجية الحرب في لبنان، لكن يبدو من خلال علاقاته الخاصة مع الاميركيين فهو يدعم المبادرات الاميركية التي يقودها أموس هوكشتين او وزير الخارجية بلينكن، والتي يمكن ان تؤدي الى تطبيق القرار 1701 مع بعض الآليات الجديدة، التي تضمن ابعاد قوات حزب لله الى شمالي نهر الليطاني، مع اضافة وحدات فاعلة في قوات اليونيفيل.
لا نعرف بالتأكيد حتى الآن الخطط العسكرية التي سيعتمدها نتنياهو لاضعاف او تدمير حزب لله، او البعد الجغرافي للعنف «التي سيقررها في تعامله مع حزب لله، او مدى رغبته في احتلال اجزاء من الاراضي اللبنانية».
في رأينا اذا خضع نتنياهو لرغبات وزراء اليمين في تدمير لبنان او احتلال جزء منه، فعليه ان يدرك مدى الاخطار التي يواجهها والتي ستكون تكراراً للاخطاء التي سبقه اليها ارييل شارون بعد غزو عام 1982، والتي ادت الى حرب استنزاف دامت اكثر من عقدين، سيؤدي مسار التصعيد العملاني مع ايران او حزب لله الي حرب طويلة وسيدفع ثمنها سياسياص وأمنياً نتنياهو وحزب الليكود والاحزاب اليمينية الاخرى.
يبقى من الضروري ان يتعقل نتنياهو في تحديد اهدافه وتعديل خططه العسكرية في حربه على لبنان، وان يستفيد من «البرهة المؤاتية» لبنانياً ودولياً لاحتواء سلاح حزب لله، وبالتالي فتح الباب لاضعاف نفوذ ايران، وتغيير المعادلة التي فرضتها على الفلسطينيين وعلى عدة دول عربية تحت عنوان «تحرير القدس» والذي كان شعاراً استعملته لتصدير الثورة الخمينية الى دول الجوار من اجل تحقيق حلمها للعب دور «القوة الاقليمية» الاقوى، ويبقى السؤال هل يعيد نتنياهو حساباته في لبنان ليتجاوز الاخطار القاتلة التي ارتكبها شارون في لبنان عام 1982؟