Site icon IMLebanon

مغامرة نتانياهو الأخيرة..؟

 

 

في الأسبوع الماضي وضعنا نتائج الحرب الفلسطينية ــ الإسرائيلية في غزة أمام إحتمالين: تسوية تاريخية شاملة على قاعدة حل الدولتين، أو تصعيد في المواجهة الدموية ضد الفلسطينيين، سيؤدي إلى نسف ما تحقق من مراحل التطبيع، وإعادة المنطقة إلى دوامة الحروب والنزاعات العسكرية، لخمسين سنة جديدة على الأقل.

في إحتمال التسوية، كنا نراهن على مواقف عواصم القرار الدولي في لجم تهوُّر نتانياهو في حرب شعواء لإنقاذ مستقبله السياسي، والضغط على تل أبيب بعدم إرتكاب المجازر ضد المدنيين في غزة، وإبقاء أبواب السلام والتطبيع مع العرب مفتوحة، وصولاً إلى تحقيق السلام الدائم والعادل للصراع العربي والإسرائيلي.

وفي إحتمال التصعيد، كنا نقرأ بحذر أجواء الإنفعالات والمزايدات الشعبوية، التي هيمنت على مراكز القرار في تل أبيب، والتي لاقت دعماً سريعاً ومطلقاً، من البيت الأبيض، الأمر الذي شجّع الحكومة اليمينية المتطرفة  على الذهاب بعيداً في إرتكاب جرائم حرب في غزة، دون الإلتفات إلى مضاعفات مثل هذه الممارسات العنصرية واللانسانية، في المحافل الدولية، التي إلتزمت الصمت المطبق، نتيجة الضغوط الأميركية.

ومع دخول حرب غزة الأسبوع الثاني، وسط الإصرار الإسرائيلي على إجتياح القطاع، يرتفع منسوب القلق ليس في الداخل الفلسطيني وحسب، بل وعلى مستوى المنطقة برمتها، لأن ما يجري من فظائع وتنكيل ضد النساء والأطفال، ومن تدمير للمستشفيات والمدارس والبنية التحتية بكاملها في غزة، لا يمكن أن يمرّ دون إشعال جبهات أخرى، من حلفاء «حماس» في محور الممانعة، والممتدة أذرعه من لبنان إلى سوريا والعراق وصولا إلى شواطئ البحر الأحمر في اليمن.

تبقى تلك الجبهات صامتة طالما بقيت «حماس» قادرة على التصدي للوحشية الإسرائيلية، والرد عليها بالصواريخ إلى الداخل الإسرائيلي، لا سيما مطار بن غوريون، والحفاظ على قدراتها بمواجهة الاجتياح البري وإستخدام السلاح المتطور الذي تملكه ضد الدبابات والمدرعات الغازية.

ولكن ماذا يمنع نتانياهو أن يذهب بمغامرته بعيداً، مستغلاً وجود حاملات الطائرات الأميركية والأوروبية، ويقوم بتوجيه ضربة «إستباقية» لإيران، محاولاً إستدراجها إلى مواجهة مع الأساطيل الغربية؟

هذا السؤال يبقى مبرراً، في حال بقيت الإدارة الأميركية على تأييدها الأعمى للحكومة الإسرائيلية، ودون الإلتفات إلى تعريض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر، ومع الإهمال الصارخ لأمن وإستقرار الدول الحليفة في الإقليم .

أصبح واضحاً أن كل تأخير في وقف آلة الحرب الإسرائيلية عن إرتكاب المزيد من المجازر في غزة، سيؤدي حتماً إلى مزيد من التعقيدات في أوضاع المنطقة، التي كانت حتى الأمس القريب، تستعد لدخول مرحلة متطورة من الإستقرار، ويُدخل الدولة العبرية في حرب إستنزاف طويلة على الطريقة الأوكرانية، نظراً للصعوبات الجمّة التي تحول دون حسم إسرائيلي سريع للحرب في المنطقة، كما هو التكتيك المتبع في الحروب الإسرائيلية السابقة.

وجاءت دعوة الرياض لعقد إجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي في جدّه، ودعوة القاهرة لعقد قمة عربية إقليمية دولية في مصر، تشارك فيها تركيا وإيران، لتؤكد إخفاق وزير الخارجية الأميركية بلينكن في جولته الشرق أوسطية، وأن عواصم المنطقة ترفض التعامل مع المواقف الأميركية المنحازة للجانب الإسرائيلي وكأنها قدرٌ لا مفرَّ منه.

*****

من المحزن فعلاً، أن البلد القلق من النيران المشتعلة حوله، والذي يرصد بحذر إرتفاع منسوب التوتر على حدوده الجنوبية، ما زال رهينة الخلافات الحزبية والأنانية، بين أطراف منظومته السياسية، التي لا تخجل من إستفحال عجزها المعيب في إنتخاب رئيس الجمهورية، عشية مرور سنة كاملة على الشغور الرئاسي في بعبدا.

وجاءت التطورات الدرامية في غزة لتكشف أهمية الفرص التي أهدرتها الأطراف السياسية اللبنانية، في إنقاذ البلد من الفراغ القاتل في السلطة، وذلك بعد وضع العصي في دواليب مساعي التوفيق التي قادتها فرنسا، ثم قطر بتكليف من دول اللقاء الخماسي.

مع تعاظم الإهتمامات العربية والغربية بتداعيات الحرب في غزة، من الطبيعي أن يتراجع التركيز السابق على الأزمة اللبنانية، خاصة بعد سقوط كل المبادرات العربية والفرنسية والخماسية التي حاولت تمرير الإنتخابات الرئاسية، كمدخل لا بدَّ منه لمعالجة المشاكل الإقتصادية والمالية والمعيشية التي يتخبط فيها البلد منذ أربع سنوات.

وفي الوقت الذي إستطاع قياديّو العدو أن يشكلوا «حكومة حرب» من الأضداد في السياسة، خلال ٤٨ ساعة، ووحدوا مواقفهم المتباعدة من قضاياهم الداخلية، لمواجهة أخطار الحرب في غزة، بقي زعماء الطوائف والأحزاب اللبنانية على خلافاتهم المستحكمة بينهم، ولم يُبادر الوزراء المقاطعون إلى حضور مجلس الوزراء الطارئ، لتطمين الناس بأن الخطر الوجودي الذي يهدد لبنان، قد ساعد على طوي صفحة الخلافات مؤقتاً، لنواجه بصف واحد، وموقف موحد المرحلة الحرجة التي تجتاح المنطقة، وتداعياتها الخطيرة على الداخل اللبناني.

مع دولة بلا رئيس، وسلطة بحكومة عرجاء، وشعب منكوب ومتروك لمصيره المظلوم، كيف يمكن للبنان أن يحافظ على توازناته، في خضمّ الجبهات المتفجرة عندما تدق ساعة الحرب؟