IMLebanon

خطر أكاذيب نتنياهو على الرهائن وعلى مستقبل إسرائيل

نحن على مشارف انتهاء عام كامل على ابتداء الحرب على غزة بعد عملية هجوم 7 اكتوبر التي شنتها حماس على غلاف قطاع غزة، والتي قُتل فيها ما يزيد عن ألف اسرائيلي، وخُطف فيها المئات من السكان المحليِّين، ولا يبدو في الافق اي بريق أمل بانتهائها في القريب العاجل، وذلك رغم الخسائر الفادحة التي تسببت بها هذه الحرب للطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. هذه الحرب الضروس مرشحة للاستمرار لأشهر عديدة مقبلة بالرغم من الجهود المكثفة التي يبذلها الوسطاء الدوليون والاقليميون وعلى رأسهم الولايات المتحدة برئيسها ودبلوماسيتها ومخابراتها المركزية.
عبّرت واشنطن الحليف الاساسي لاسرائيل، وبلسان رئيسها جو بايدن عن انتقادها المتكرر لموقف اسرائيل الرافض لجميع المقترحات الداعية لاطلاق الرهائن الاسرائيليين مقابل عدد من المساجين الفلسطينيين، وتحقيق وقف لاطلاق النار بصورة مؤقتة. وكان اللافت بأن بايدن قد اعترف بقبول حماس بتقديم تنازلات من اجل تحقيق وقف للنار في المفاوضات الاخيرة التي جرت في القاهرة والدوحة، والتي فشلت في التوصل الى صفقة لاطلاق الرهائن بسبب اصرار نتنياهو على الاحتفاظ بممر فلاديلفيا على الحدود ما بين قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، بحجة انه يُستعمل لتهريب السلاح لمنظمة حماس، مع العلم بأن نتنياهو نفسه كان قد وافق على الانسحاب منه عام 2005.

في الوقت الذي يتهم فيه الحليف الاميركي رئيس وزراء اسرائيل بالتعنت وتعطيل المفاوضات حول وقف اطلاق النار وبالتالي تعطيل مخرج اطلاق الرهائن يبلغ الصلف الاسرائيلي حدوده القصوى من خلال دعوة مندوب اسرائيل في الامم المتحدة داني دون مجلس الامن إلى الانعقاد للنظر في قضية احتفاظ حماس وغيرها من التنظيمات بما يقارب 90 رهينة لمدة 11 شهراً، وتشكل هذه الدعوة لانعقاد المجلس تغطية لقرارات نتنياهو لنسف كل المحاولات التي يبذلها الوسطاء بدعم رئاسي اميركي. لقد شكلت تصريحات نتنياهو الاخيرة صفعة جديدة لموقف الرئيس بايدن الاخير بشأن الرهائن، وذهب نتنياهو الى ابعد من رفضه لدعوات بايدن، حيث دعا الاسرائيليين لعدم الثقة بوزير دفاعه يوآف غالانت، كما وعد بإقالته في اقرب وقت، وذلك على خلفية مطالبته بتقديم تنازلات في عقدة ممر فيلاديلفيا لتسهيل اطلاق الرهائن.

في رأينا تشكل دعوة المندوب الاسرائيلي لمجلس الامن للاجتماع محاولة مكشوفة للتغطية على مسؤولية نتنياهو ووزرائه المتطرفين عن كل ما جرى منذ 7 اكتوبر من دمار ومجازر في غزة مع توسيع الحرب الآن في الضفة الغربية وجنوبي لبنان. هذا التعنت في الموقف الاسرائيلي، والذي ادى الى مقتل الرهائن الستة مؤخراً قد تسبب بانقسام خطير في المجتمع الاسرائيلي، والذي ظهر بالدعوة يوم الاحد الماضي الى تظاهرات واسعة في تل ابيب وبقية المدن، شارك فيها ما يقارب من نصف مليون متظاهر، بالرغم من كل الجهود التي بذلتها الحكومة باللجوء الى القضاء لتعطيل الاضراب، بالاضافة الى المحاولات المتكررة للدفع بقضية الرهائن الى خانة النسيان مع استمرار الحرب وتوسيعها لانقاذ رأس رئيس الحكومة والحفاظ على تماسك حكومته.
بعد العثور على جثث الرهائن الستة عقد نتنياهو مؤتمراً صحفياً طلب فيه الصفح من أهالي الرهائن في مناورة مكشوفة لامتصاص النقمة الشعبية العامة عليه وعلى حكومته، واتهم مئات الآلاف الذين يعارضونه بتمسكه بممر فيلادلفيا بأنهم يخضعون لتلاعب يحيى السنوار بهم. ولكن مناوراته لطمس الحقيقة حول مسؤوليته عن مقتل الرهائن لم تنطلِ على وسائل الاعلام الاسرائيلية التي اتهمته، وعلى رأسها القنال 13 بأن كل الحجج التي يستعملها للتغطية ومن خلال التمسك بمحور فيلادلفيا هي «مليئة بالاكاذيب».
لم يقتصر ضيق نفس مئات ألوف المواطنين الذين ملأوا شوارع المدن يوم الاحد الماضي، بل تعداهم ليصل الى ابرز رموز القيادات العسكرية الراهنة، والتي ترفض ان تستمر في تغطيتها لرياء ومؤامرات الحكومة الراهنة، حيث اعلن عن استقالة قائد سلاح البر، بالاضافة لقادة بارزين في الاستخبارات العسكرية ومن المتوقع ايضاً ان يقدم قائد سلاح الجو استقالته خلال فترة وجيزة.
في الواقع ينطبق على نتنياهو القول المأثور «اذا كنت لا تستحي فافعل ما شئت»، حيث ردّ على المتظاهرين الذين طوقوا منزله يوم الاثنين الماضي «ليس لإبلاغهم بأنه لا يقبل الوعظ من احد»، وبأنه يتمسك بمطلبه الذي يعطل كل امكانية للتوصل الى صفقة مع حماس، في الوقت الذي اصرّ فيه المتظاهرون على ضرورة التوصل الى صفقة فوراً، يدرك نتنياهو بأن قبوله بصفقة لانهاء ازمة الرهائن سيكون بمثابة قبوله بوضع رقبته داخل المقصلة، وبانها ستكون نهاية حياته السياسية مع خطر الذهاب الى السجن.
ردّت حماس على اكاذيب نتنياهو باتهامه بتعطيل المفاوضات لأشهر عديدة من خلال تقديمه لمطالب جديدة تتناقض مع خطة الرئيس بايدن التي تقدم بها في شهر نيسان الماضي، رافضة تمسكه باحتلال ممري فيلادلفيا ونتساريم، وقدّمت عرضاً جديداً باخلاء جميع الرهائن مقابل انهاء الحرب والانسحاب الكامل من غزة، واطلاق سراح عدد من المساجين الفلسطينيين، بمن فيهم بعض القياديين الكبار امثال مروان البرغوثي.
في النهاية يبدو بأن الجناح العسكري في حماس لم ينكر او يتبرأ من مسؤوليته عن مقتل الرهائن الستة، ويعزو السبب بأن عملية القتل جاءت رداً على محاولة تخليصهم من مختطفيهم بالقوة، الامر الذي سيشكل دعماً قوياً لنظرية نتنياهو بتحقيق النصر الكبير وبتحرير الرهائن بعمليات عسكرية، وذلك على غرار نجاح عملية تخليص اربع رهائن في حزيران الماضي.
في نهاية المطاف لا بد من التساؤل حول مستقبل الحرب في غزة، وخصوصاً بعد توسعها لتشمل مناطق الضفة الغربية، وعن مستقبل نتنياهو السياسي ومدى قدرته على الصمود في وجه المعارضة الشعبية المتعاظمة لحكمه؟.
في الوقت الذي بدا حليفا اسرائيل الاستراتيجيَّين الولايات المتحدة وبريطانيا للتعبير بصراحة عن رفضهما لسياسات الحكومة الاسرائيلية، حيث يمكن ان يترجم ذلك بوقف توريد الاسلحة والذخائر الى اسرائيل، وهذا ما تحدث عنه مؤخراً وزيرا الدفاع والخارجية في حكومة صاحب الجلالة. وكان لادارة بايدن موقف سابق فعلي بوقف بعض شحنات الاسلحة الاميركية.
لا بد من انتظار اتخاذ موقف جديد اكثر صرامة من قبل الرئيس الاميركي بعد مواقفه المتحدية للقرارات الرئاسية بضرورة تحقيق صفقة لانهاء النزاع. هناك مؤشرات على ان بايدن بات يضيق ذرعاً بمواقف نتنياهو بعد ان اجاب على سؤال عما اذا كان نتنياهو يفعل ما هو كافٍ للمفاوضات، حيث اجاب «لا ولكن المفاوضات ستستمر».