كل ما يأتي من غزة يشير إلى أن الحرب عليها ما زالت طويلة، ولو اتخذت مع الوقت أشكالا متعددة، بينما لا تبدو الحرب الكبرى التي يخشى منها كثيرون، في لبنان خاصة، حاصلة.
والحال أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تجاوز المرحلة الدقيقة داخليا التي كان من شأنها دفعه مجبرا إلى وقف العدوان على غزة، وبات اليوم محصنا في حربه المستمرة على الشعب الفلسطيني، لأسباب عديدة.
يبدي متابعون للأحداث على الساحة الفلسطينية عامة ولما يجري في غزة خاصة، تشاؤما تجاه قرب انتهاء الوضع المأساوي الحالي.
فعلى رغم بطولات المقاومة الفلسطينية وتضحيات الشعب الفلسطيني، وهو دأب هذا الشعب منذ أكثر من قرن من الزمن في وجه الإستعمار البريطاني والغزو الصهيوني، إلا أن الجيش الإسرائيلي تجاوز مرحلة الانكسار بعد الضربات التي تلقاها في المراحل السابقة للغزو، ويعيش القادة الإسرائيليون “نشوة” الضربات العسكرية والمجازر التي يقومون بها من دون رادع، وحكومة التطرف الإسرائيلي ماضية في عدوانها، عبر وحشية لا متناهية من ناحية، وتعديل في التكتيكات لمجاراة طبيعة المعركة على الأرض، من ناحية ثانية، وصولا إلى ما تعده نصرا في النهاية.
والواقع أن نتنياهو يستمد جبروته هذا من المجتمع الإسرائيلي نفسه الذي لا يشعر بالمعاناة من الحرب والذي لا يتلقى ضربات عسكرية صاروخية مثلا كما حصل في الماضي، أما بالنسبة إلى الإعتراض الشعبي عليه فهو شبيه بالإعتراض الذي قام ضده منذ ما قبل 7 أكتوبر زائد حراك عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين لا يمثلون معارضة جذرية لنتنياهو وهم لا يمانعون إحراق غزة لكن بعد إستعادتهم لذويهم
الحكومة باقية
لذا فإن حكومة نتنياهو باقية ولن تسقط، أقله في الوقت الحالي والمقبل، وها هو تجاوز استقالة خصميه بيني غانتس وغادي آيزنكوت ويستمد جبروته من اليمين الذي يعلم تماما بدوره بأن الخضوع للمبادرة الأميركية سيسقطه هو نفسه في الشارع.. كما أن نتنياهو عزز هيمنته على حزبه “الليكود” بينما لا يمثل يوآف غالانت تهديدا له وهو المكروه في حزبه منذ مسألة الإصلاحات القضائية والذي لا يستطيع منافسة نتنياهو في تاريخية الزعامة الليكودية..
طبعا نتحدث هنا عن دولة إسرائيلية تنحو في اتجاه اليمين كل يوم في الوقت الذي يعاني فيه اليسار وخاصة حزب “العمل، الأب للكيان، والذي تحول نحو الليبرالية وبات صاحب أجندة إجتماعية أكثر منها سياسية، أزمة كبرى.
هذا الواقع يدفعنا إلى طرح أسئلة: من هي الجهة التي ستتفاهم مع الفلسطينيين حول اليوم التالي لانتهاء الحرب؟ وأساسا هل ستقبل هذه الجهة، في حال وُجدت، دولة فلسطينية؟ وكم سيتخذ ذلك من وقت؟ وما هي إجراءاته العملية؟
يشير المتابعون إلى أن مسألة الدولة الفلسطينية باتت أكثر صعوبة بعد 7 أكتوبر، وإذا كان ثمة رهان أميركي على غانتس فإن الأخير لا يؤمن بدولة فلسطينية وإن كان لا يريد استعباد الفلسطينيين كما نتنياهو الذي، للمناسبة، يقلص مع كل وحشية جديدة، الفجوة الشعبية مع غانتس الذي يتصدر إستطلاعات الرأي لقيادة الحكومة المقبلة.
إنطلاقا من هنا سنكون أمام وقت مستقطع تتخلله تواريخ ثلاثة هامة: 24 تموز المقبل تاريخ زيارة نتنياهو للولايات المتحدة الأميركية وخطابه أمام الكونغرس حيث سيتم قياس مدى التأييد له وبالتالي ما سيبنيه نتنياهو على ذلك بعدها. 7 أكتوبر المقبل، الذكرى السنوية الأولى على بدء المعركة والإسرائيليون يحبون مسألة التواريخ وسط سؤال: ما الذي سيعلنه نتنياهو حينها؟ هل هو وقف الحرب؟ أم هو خطاب النصر؟ والتاريخ الثالث 5 تشرين الثاني المقبل موعد الإنتخابات الأميركية المفصلي للمنطقة كلها.
تحذير من فخ إسرائيلي
على أنه مهما كانت هوية ساكن البيت الأبيض، فإن المشروع الأميركي للسلام (التطبيع) سيتخذ زخما، خاصة إذا وصل الجمهوري دونالد ترامب.
هنا تحذر أوساط فلسطينية من فخ قد يلجأ إليه الإسرائيليون والأميركيون عبر إيهام الفلسطينيين والعرب بقبول الدولة الفلسطينية لاقتناص التطبيع من العرب ثم التنصل من التفاهمات بعد بضع سنوات.
فبعد سقوط اليسار في إسرائيل ليس هناك من يجرؤ على التنازل في موضوع الدولة الفلسطينية ناهيك عن أن الموضوع على الأرض بالغ الصعوبة بوجود المستوطنات وتقطيع الأرض الفلسطينية.. وفي المقبل من الوقت فإن الأمر يسقط نفسه على موضوع اليوم التالي للحرب حيث لا فكرة جدية لهوية من سيحكم غزة حيث يرفض العرب، مصر والسعودية خاصة، الولوج كقوة عربية، بينما هناك رفض إسرائيلي للسلطة الفلسطينية وسط توتر عميق يزداد بين حركتي “حماس” و”فتح” ما يفشل أي وحدة فلسطينية تعد المدماك الأساس لحكم غزة..
في خضم كل ذلك يُطرح سؤال حول ما إذا كان نتنياهو سيغامر في لبنان في خضم “الكوما” الأميركية الإنتخابية. أغلب الظن أن الحرب الكبرى مستبعدة فإسرائيل تعاني شمالا لكنها تعلم قدرات “حزب الله” العسكرية والإستخباراتية التي لا تحتاج إلى تذكير لها من قبل إعلام الحزب ومؤيديه خاصة في المنطقة التي يُطلق عليها تسمية شمالي المركز، أي جنوبي الجليل.
على أن أحد المتابعين لموضوع الحرب يحذر من خضوع الحكومة الإسرائيلية لضغوط الشارع والإعلام نتيجة ما تحقق من تجنيب للإسرائيليين تأثيرات العدوان على غزة، حتى ظن المجتمع الإسرائيلي أنه بشن الحرب على لبنان سيكون بمنأى أيضا عن تأثيراتها، وهو ما يجافي الحقيقة.