السباق المحموم بين التصعيد والتبريد على الجبهات المشتعلة حول الكيان الصهيوني، من غزة جنوبًا، إلى الحدود اللبنانية شمالًا، وصولاً إلى اليمن والبحر الأحمر شرقاً، سيُحسم أمره في زيارة نتنياهو إلى واشنطن، آخر الأوراق التي يمكن لرئيس حكومة الحرب الإسرائيلية أن يلعبُها، بعد عشرة أشهر لحربه المدمرة على غزة، والتي لم تحقق أهدافها، حتى كتابة هذه السطور.
الغارة الإسرائيلية على ميناء الحديدة اليمني، لن تُغيّر في ميزان المخاطر المحدقة بالكيان الصهيوني، ومواجهة أطول الحروب وأشدها خطورة على بنيان الدولة الصهيونية، لأن إصرار نتنياهو وفريقه الوزاري المتطرف على الإستمرار في إرتكاب المجازر اليومية في غزة، وتدمير ما تبقى من مناطق ومخيمات ومستشفيات ومدارس، وكل أساسات البنية التحتية، سيُبقي آوار الحرب مشتعلة، ويُعرض أمن وإستقرار المنطقة بكاملها للخطر، فضلا عن التداعيات التي ستصيب الداخل الإسرائيلي، بعد وصول المسيَّرات والصواريخ إلى تل أبيب والعمق الإستراتيجي، وحالة الهلع الناتجة عن وصول لهيب الحرب إلى المدن الإسرائيلية، للمرة الأولى في تاريخ الحروب العربية ـ الإسرائيلية.
ولكن ثمة من يتخوف من حصول نتنياهو على تأييد من الكونغرس لسياساته المتطرفة، وتعليق قرار التباطؤ في إرسال الأسلحة والذخائر الأميركية إلى تل أبيب، بما يُشجع رئيس الحكومة الإسرائيلية على إرتكاب مغامرة عسكرية جديدة، ويدخل في حرب شاملة مع حزب الله والمحور الإيراني، سيتحمل لبنان الأعباء الأكبر منها.
وغالباً لن يكون الوضع في الإقليم بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن مثل ما كان قبلها: إما إنفجاراً لحرب شاملة، أو الإتجاه لوقف إطلاق النار في هدنة طويلة.
*****
مقابل المماطلة الإسرائيلية المكشوفة في الموافقة على صفقة وقف النار وإطلاق الرهائن والأسرى، ثمة جهود دولية وإقليمية، القيادة السعودية ليست بعيدة عنها، لمعالجة الملفات العالقة في الإقليم، بموازاة العمل على إطفاء نيران الحرب في غزة، والبحث في ترتيبات اليوم التالي. وفي مقدمة تلك الملفات: الإنتخابات الرئاسية في لبنان، والأزمة السياسية المعلقة في سوريا.
جاءت الزيارة الخاطفة، وغير المعلنة، لكل من الموفدَيْن الأميركي آموس هوكشتاين، والفرنسي جان إيف لودريان إلى الرياض، لتؤكد حالة القلق في عواصم القرار الدولي والعربي من إستمرار الشغور الرئاسي في لبنان، في ظل تصاعد التوتر العسكري في الجنوب اللبناني، وهو الأمر الذي كان محور المحادثات التي جرت مع المسؤولين السعوديين عن الملف اللبناني في اللجنة الخماسية.
وتكمن الأهمية المضاعفة للقاء الثلاثي: السعودي والأميركي والفرنسي، أنه تم في أعقاب زيارة هوكشتاين إلى العاصمة الفرنسية ونتائج محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين، حول مخاطر توسُّع المواجهة الحدودية مع إسرائيل، والإنزلاق إلى حرب شاملة، وتداعيات بقاء لبنان بلا رأس للدولة، وإنعكاسات ذلك على تراجع دور السلطة الشرعية في فرض سيادتها على الأراضي اللبنانية. وكان أن جرت إتصالات سريعة مع الرياض، انتهت إلى التوافق على عقد اللقاء في العاصمة السعودية.
ورغم التكتم الشديد الذي أحيطت به زيارة الموفدَيْن الأميركي والفرنسي، فإن مصادر باريس تُشير إلى التوافق على ضرورة إنجاز الإنتخابات الرئاسية قبل كانون الأول المقبل، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الإسراع في إقفال الملف الرئاسي يبقى حاجة لبنانية ضرورية، خاصة في حال وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان، والعودة إلى الوساطة الأميركية لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
ويبدو أن المبادرات النيابية المتلاطمة مازالت تدور في دوامة الخلافات التقليدية، لتُشغل المشهد السياسي في الوقت الضائع، بعدما كثرت الإنتقادات الخارجية عن غياب مواكبة نواب الأمة للأزمة الرئاسية، وترك كل الأمور عالقة بإنتظار ما ستسفر عنه لقاءات اللجنة الخماسية.
وثمة ترقب لردود الفعل على موقف الرئيس نبيه برّي الأخير: «إعطونا عشرة أيام حوار وخذوا رئيساً للجمهورية»، الذي ينسجم مع توجهات الخماسية بتشجيع الحوار بين الأطراف السياسية، في محاولة للتوافق على مرشح ثالث، وفي حال تعذر التوافق، وبقاء أكثر من مرشح في السباق الرئاسي، فيتم عندها إختيار الرئيس بالتصويت بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة.
أما السجالات العقيمة، والتراشق بالإتهامات المتبادلة، فلن يؤديا إلى إخراج الإستحقاق الرئاسي من مستنقع الخلافات الحزبية والحسابات الشخصية، بل سيزيدان الوضع تعقيداً على خلفية تناقض المصالح والمنافع الفئوية، لكل طرف سياسي.
دول المنطقة وعواصم القرار الدولي تتحفّز للدخول في مرحلة «التسوية الكبرى»،
وحده لبنان مازال متعثراً، وفي حالة من الضياع والتشتت، وأركان الدولة في غيبوبة عما يجري حولهم!