IMLebanon

بايدن استسلم لنتنياهو وانسحب قبل زيارته

 

 

في المرحلة المقبلة، سيكون بنيامين نتنياهو طليق اليدين تماماً، من غزة إلى لبنان فاليمن والعراق وسوريا… وصولاً إلى إيران. فالأميركي الذي يفرمل جموحه، انكفأ إلى مأزقه الداخلي، وترك شعوب الشرق الأوسط تتخبّط في أزماتها.

انسحب الرئيس جو بايدن من المعركة الرئاسية بعد طول تريث ومعاندة. وهذا التوقيت «المحشور» سيئ جداً للحزب الديموقراطي، لكنه سيئ خصوصاً لبايدن نفسه، إذ سيجعله رجلاً ضعيفاً أو مستضعفاً، بكل ما في الكلمة من معنى: شخصياً بسبب متاعبه الصحية المتزايدة، وسياسياً لأنّ حزبه بات على وشك الهزيمة في المعركة الرئاسية، ولأنّه خسر جزءاً كبيراً من «الهالة» التي يمثلها عادةً رئيس الدولة الأقوى في العالم.

الذين انتظروا «على الكوع» سقوط بايدن كثيرون، وأبرزهم: فلاديمير بوتين الذي يريد أن يرتاح في أوكرانيا، وبنيامين نتنياهو في الشرق الأوسط. وكلاهما سيحرقان الوقت بالمراوحة، انتظاراً لمرور الأشهر القليلة الباقية من العهد الحالي. ولذلك، يمضي نتنياهو في تعطيل أي اتفاق على وقف النار في غزة، فيما المسؤولون في حكومته يطلقون تهديدات جديدة بصدمة عسكرية كبيرة في لبنان.

 

بدأ نتنياهو يستثمر بقوة ضعف بايدن ليدفع الإدارة الأميركية إلى الانصياع لرغباته على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية. وهو بالتأكيد حصل على تغطية ودعم لوجستي من الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين لتسديد الضربة الأخيرة على ميناء الحديدة اليمني.

 

والدلائل إلى نجاح نتنياهو في ذلك هو الآتي:

 

1 – إفراج الإدارة الأميركية عن شحنات من الأسلحة الثقيلة طلبها نتنياهو من أجل استخدامها في غزة، وأيضاً في لبنان إذا اتخذ قراراً بتوسيع الحرب. ولطالما أرادت الإدارة حجب هذه الأسلحة عن إسرائيل لتشجيعها على خيار التسوية في غزة، وتجنّب تعريضها المدنيين هناك لهجمات أكثر شراسة. كما أرادت منع استخدام هذه الأسلحة في لبنان، لأنّ واشنطن ترفض في المطلق أي عملية إسرائيلية تتجاوز مستوى الردّ على الضربات التي تتلقّاها في بقعة الحدود. والإفراج عن هذه الأسلحة له دلالاته السياسية وتداعياته العسكرية.

 

2 – تنظر الإدارة الأميركية إلى زيارة نتنياهو وإلقائه خطاباً في الكونغرس، باعتبارهما انتصاراً له في لحظة ضعف بايدن، وفيما يغرق الساسة الأميركيون في المزايدات الانتخابية بين جمهوري وديموقراطي. وهو على الأرجح سيحصّل أكبر دعم أميركي لسياساته، من الحزبين.

 

وثمة اعتقاد أنّ بايدن سارع إلى الانسحاب من المعركة الرئاسية عشية وصول نتنياهو إلى واشنطن ليحدّ من مسؤوليته عن التنازلات التي يتوقع أن يقدّمها إليه. ففي الواقع، بات رئيس وزراء إسرائيل واحداً من أقوى القادة في العالم حالياً، وهو في أي حال أقوى من بايدن. ولذلك، هو سيتمادى في مطالبه في الأشهر الخمسة المتبقية من الولاية الرئاسية الأميركية. ولأنّ الديموقراطيين يقتربون من هزيمة شبه مؤكّدة، سواء كان مرشحهم كامالا هاريس أو سواها، فإنّهم لن يتحمّلوا معاندة نتنياهو وإغضاب الناخبين المتعاطفين مع إسرائيل. وعلى العكس من ذلك، هم سيبذلون كل جهد للحصول على أصواتهم.

 

في هذا المناخ، ستكون زيارة نتنياهو لواشنطن فرصة تاريخية له ولرفاقه المتطرّفين، لأنّها ستطلق مساراً يخدم طموحاتهم التوسعية، يبدأ في نهايات عهد بايدن وتتكرّس مفاعيله بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

 

هل هو الحظ يقدّم خدمة تاريخية إلى نتنياهو ورفاقه في اليمين واليمين المتطرّف، أم إنّ هؤلاء نجحوا نتيجة تخطيطهم للمسار الذي اعتمدوه في مواجهتهم لمسألة غزة خصوصاً، وللمسائل الأخرى الموازية من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن فإيران. وفي الحقيقة، لو أصغى نتنياهو إلى مطالب بايدن، وأبرم التسوية باكراً هناك، لخسر المكاسب المتاحة حالياً، والتي يُتوقع أن تكون أكبر بعد وصول ترامب. فلعبة الوقت هي لمصلحة نتنياهو لا لمصلحة الفلسطينيين.

 

وفي تقدير المحللين أنّ المخاطر على الفلسطينيين ستتزايد بقوة في الفترة المقبلة، ولن يقتصر الأمر على غزة بل سيشمل الضفة الغربية على الأرجح. فثمة مخاوف من استغلال نتنياهو توسُّع هامش حركته أميركياً ليضرب ما بقي من اتفاق أوسلو، أي لينهي ما بقي من الشخصية الفلسطينية هناك، بزيادة المستوطنات وتوسيعها. وهذا الأمر قد يوافق عليه ترامب الذي كان المبادر في ولايته السابقة إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي الفترة الأخيرة، في موازاة حرب غزة، تصاعدت الاحتجاجات الفلسطينية في الضفة أيضاً، ووقعت صدامات عنيفة مع الإسرائيليين الذين لم يتورعوا عن استغلال هذه الاحتجاجات لارتكاب أعمال تعسفية في حق السكان هناك، وأقدموا على قطع المخصصات التمويلية التي تجعل هؤلاء رهينة للنهج الإسرائيلي.

 

إذاً، ثمة أحداث خطرة تنتظر الشرق الأوسط، وخصوصاً الملف الفلسطيني في الأشهر والسنوات المقبلة. وأما في لبنان، فاحتمال الضربة الإسرائيلية يتزايد. وقد لا تكون حرباً واسعة، تجنّباً لزيادة التعقيدات. لكن الصدمة العسكرية التي يُراد لها أن تقود إلى المفاوضات ربما تكون قيد التحضير.