IMLebanon

«شبكات» الشائعات.. الإرهابية

ثمة جهات في لبنان تحترف فن «الفبركة» وقولبة الأخبار، وتُبدع في خلق الأضاليل وبث الأكاذيب لأسباب لا تخدم سوى مشاريعها التي تتعارض في الشكل والمضمون مع مبدأ وشرعية الدولة ومؤسساتها، فلا تنفك هذه الجهات عن إستغلال حالات الفوضى التي تحدث بين الحين والآخر ومنها حالات التفجيرات على غرار ما حصل في بلدة القاع أخيراً، لتزيد في تعميق الأزمات وذلك من خلال لعبها على الوتر النفسي عند الناس بعد نشرها على مواقع التواصل والهواتف النقالة، شائعات تُحذرهم من التنقل والتردد إلى أماكن معينة وتصويرها على انها هدف مُحتمل للجماعات الإرهابية.

بعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على التفجيرات الإرهابية التي نفذها إنتحاريون في بلدة القاع، إنتشرت بالأمس مجموعة أخبار، إن عبر رسائل صوتية او مكتوبة، تُحذر المواطنين من التردد إلى بعض الأماكن في مناطق مختلفة من لبنان، وهو الأمر الذي أحدث نوعاً من الخوف والذعر بين اللبنانيين وخلق بلبلة في أكثر من منطقة، ما استدعى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، إلى إصدار بيان نفت فيه جميع هذه الشائعات جملة وتفصيلاً، وتمنت على المواطنين «عدم القلق والانجرار خلف مثل هذه الأخبار، وعدم الأخذ إلا بما يصدر عن الأجهزة الأمنية المختصة«.

يبدو أن هناك غرفة عمليات واحدة تقف وراء هذه الفبركات الإعلامية وتُديرها على النحو الذي يخدم مصالحها والأفكار التي تروّج لها، وهي لا تتوانى في كل مرّة عن استغلال الحالات الطارئة وجعلها منطلقاً لبث سمومها وإحداث حالة قلق دائمة عند الناس وهي التي تُمعن في تخويف جزء كبير من اللبنانيين وإرهابهم وتحذيرهم على الدوام من عمليات قتل يُمكن أن تطالهم، وذلك بهدف التغطية على إرتكاباتها وانجرافها في حروب الغير، ورفع المسؤولية عن نفسها في جر الإرهاب وإستجلابه إلى لبنان بفعل تلطخ أيديها بدماء الشعب السوري.

في لبنان توجد أدلة كثيرة تُحدد الجهة التي تقف وراء ترويع الناس وبث الأكاذيب وتُدينها بالجرم المشهود وليس آخرها توقيف حسين الحسين مُشغل موقع «لواء أحرار السنة في بعلبك« والذي كان قاب قوسين من زعزعة الاستقرار وإحداث فتنة مذهبية، بحيث كان يتبنى معظم التفجيرات التي تقع في منطقتي بعلبك والهرمل، قبل أن يعترف لاحقاً أنه من مؤيدي «حزب الله». 

ومن باب الحرب النفسية والإقتصادية نفسها، روّج أصحاب الغرف السوداء معلومات تُشير إلى فرضية استهداف كازينو لبنان عن طريق إمرأة ترتدي حزاماً ناسفاً سوف تقوم بتفجير نفسها بداخله، وهو ما وضعته إدارة الكازينو في بيان لها، ضمن إطار الحرب الإقتصادية التي يشنها البعض ضد هذا القطاع في لبنان. ومن هنا، أصبح لزاماً على الدولة اللبنانية تحريك أجهزتها الأمنية لملاحقة الأشخاص أو الجماعات، الذين يُديرون هذه «الغرف» لأسباب أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، والمُراد من ورائها هز ثقة المواطنين بدولتهم وبالتالي تكريس الخوف في نفوسهم كخطوة أولية للذهاب إلى منطق «الأمن الذاتي» وإعادة إحياء «المربعات الأمنية». 

أمر آخر يُزيد من التوجس من اللعبة المُخابراتية التي تروّج وتُفبرك الأخبار وتضع البلد على حافة الخوف تمهيداً لضرب الإستقرار فيه، وهو نشر مجموعة تُطلق على نفسها اسم «سرايا الشيخ أحمد الأسير»، مقطع فيديو تُهدد فيه بـ»استهداف الطائرات الايرانية التي تصل الى لبنان وتنقل المساعدات الى حزب الله«، مشيرة إلى أنها سوف تتصدى لإيران «عن طريق ضرب المساعدات التي يقدمونها الى حزب اللات والتي تصل الى أراضينا عن طريق مطار رفيق الحريري لتزويد حزب الشيطان بالسلاح الإيراني الذي يستخدم ضد اخوتنا هنا في لبنان وسوريا«، وهذا الأمر، يُعيد إلى الذاكرة شريط «أبو عدس» الذي فبركته اجهزة المخابرات السورية بالتعاون مع أجهزة لبنانية غداة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وألصقته بجهة وهمية تحمل اسم «جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام«.

مما لا شك فيه، بأن هناك جهات مأزومة وتُصارع من أجل بقائها بعدما انكشف زيفها خارج الحدود وظهرت على حقيقتها بعدما كانت أوهمت الناس بأنها القوّة التي لا تُقهر. هذه الفئة من المؤكد أنها لن تتأخر عن القيام بأي فعل أو رد فعل، في اللحظة التي ترى فيها أنها أصبحت مُحاصرة، واللعبة المُخابراتية التي تبدأ ببث الشائعات وإرهاب الناس، يُمكن أن تصل لاحقاً حد صناعة الموت نفسه.