IMLebanon

الحياد عن الحياد

 

الحياد في المجال القانوني، يكون أو لا يكون، فالأمر مرهون بإرادة اللبنانيين..

ومفهومُ الحياد في المجال السياسي، مفهومٌ مطَّاطٌ يحمل وجوهاً مختلفةً من الإلتباس والغموض تعرْقِـلُ أحياناً تطبيقهُ..

 

وحيالَ هذا الحياد كانت هناك ثابتـتان بطريركِّيتان:

ــ «التوافق بين المكوّنات اللبنانية حيالَ أيِّ خيارٍ يتناول الواقع اللبناني…»

ــ «لبنان يلتزم العدالة والسلام والإنفتاح على جميع الدول ما عدا إسرائيل بسبب العداوة والإحتلال…»

 

أستُحدِثَ إصطلاح الحياد الإيجابي بعد الحرب العالمية الثانية، بحيثُ تـتَّخذ دول الحياد موقفاً من الأحداث الدولية لتخفيف حـدّة التوتّـر وإيجاد حلول للأزمات من أجل إعادة السلام.. والحياد الإيجابي الذي يعني الإحجام عن موقف الطرَف في النزاعات الدولية، فإنه يلتزم الوقوفَ إلى جانب الحـقّ، وتنحاز دول الحياد إلى الدول المعتدى عليها… وبهذا المعنى يصبح الإنحياز إلى فلسطين نوعاً من الحياد الإيجابي.

 

فيما الإنحياز السلبي يعني الإنخراط في التكتّلات العسكرية والسياسية والإيديولوجية في العالم بما يؤول إلى سيطرة الدول الكبرى على الشعوب المغلوبة على أمرها والمهدّدة في كيانها القومي ووجودها السياسي.

 

في معزل عن فلسفة التفسير، فإن لبنان في عُمْقـهِ التاريخي كان يتأرجح بين ما هو سلبي وإيجابي في الحيادَيْـن: الخارجي والداخلي، ولا يزال يجـرِّر أذيال الإضطراب بين السلْب والإيجاب.

 

في عهد الإنتداب الفرنسي، كانت فرنسا الأمّ الحنون لفريق من اللبنانيين، وكانت سوريا الأم الحنون لفريق لبناني آخر، إلى حـدّ الولَع في طلب الوحدة والضـمّ.

وعلى عهد حكومة الإستقلال كانت الأم الإستقلالية: «لا للشرق ولا للغرب»، إلاّ أنّها ترمّلَتْ قبل أن تلِـدَ البنـين.

وعلى عهد صراع العقائد، كانت القومية العربية الإسلامية أمّـاً حنوناً لفريق، والقومية العربية الحضارية أمـاً لفريق آخر.

 

وعلى زمن الوحدة العربية كانت مصر عبد الناصر الأم الحنون لفريق لبناني، وكانت الأحلافُ المضادّة بما فيها «حلف بغداد» الأم الثانية.

وعلى زمان الثورة الفلسطينية المسلّحة في لبنان، كانت الثورة هي الأم الحنون لفريق من اللبنانيين، بما سبَّبتْـهُ من مواجهات محمومة ضـدّ أُمومَـةِ فريق آخر، ما حتَّـم اللجوء إلى حماية الشيطان.

 

وفي هذا الزمان أبْحَـرتِ الأُمومـةُ اللبنانية في الذراع البحري بين الخليج الفارسي والخليج العربي.

 

ويظلّ اللبنانيون تـتعدَّد عندهم الأمهات، كمثل تعدّد الزوجات: «وإنْ خفْـتُم ألاّ تعدلوا فواحدة»… ولا مـرّة كانوا يخافون ويعدلون.

 

وحتى الحياد الداخلي الذي يقوم في الأنظمة الديمقراطية على التنـوّع، والذي حـدّدَهُ الفقيه القانوني الإلماني «كارل سميث» بوقوف الدولة موقفاً حياديّاً متجرِّداً من مختلف الإنتماءات السياسية والحزبية داخل المجتمع الواحد، أيْ أنَّ الدولة آلـةٌ تقنّيـة تجنّـد وظائفها التنفيذية والإدارية والقضائية ليكون المواطنون جميعاً متساوين في الحقوق والواجبات..

 

حتى هذا الحياد جعلت منه الدولة عندنا، آلـةً تقنيـة في الإنحياز السلبي، وشوَّهتْ نظرتنا إلى المطلق الإنساني وعلاقةَ مجتمعنا ببعض القيم المتسامية حيال عالم الحشود العسكرية ونظام الإرهاب.

 

والخلاصة: أنّ لبنان الـمُثْقل بالأحزان والشكّ الوطني، لا تنقصُه المواجهات المشحونة بالتطبيل الوثني.

وليس أوانُ الخلاف، على أنْ يكون فيه حيادٌ أو لا يكون، بـلْ أنْ يعرف اللبنانيون ماذا يكون في خدمة لبنان وماذا لا يكون.